إيران لا تريد عراقاً متعافياً، لديها عقدة تاريخية منه، والملالي لديهم عقدة مذهبية ومرجعية أيضاً، لهذا يريدونه بلداً ممزقاً، تعبث به الطوائف والمذاهب، وتتقاتل على المصالح، وتنتشر في أرضه العصابات المسلحة، وينخر الفساد مؤسسات الدولة وأركانها.
الخريطة السياسية العراقية تشير إلى الأجندة الإيرانية، فهي تدفع بمجموعة من الأتباع نحو الصراع على المقاعد، ومع كل انتخابات تقسم الأحزاب وتشرذمها، وتستنسخ أحزاباً جديدة، وتصنع وجوهاً طامعة في نهب الثروات، مع المحافظة على كل الذين سرقوا وكانوا سبباً في إشعال حروب داخلية طوال خمسة عشر عاماً، وتفرض على الجميع بعد ذلك اقتسام السلطة والثروة لتزداد معاناة العراقيين.
هذه بلاد الرافدين، تصبر وتتحمل، وتمتص كل الصدمات، ذاقت مرارة حكم السفاحين، وواجهت الجحافل الغازية، ومع ذلك تبقى أكبر من كل الذين حاولوا ذات يوم إخضاعها، هي شوكةٌ الكل يريد أن يكسرها، والإيرانيون منذ عهودهم القديمة يعملون على ذلك، قبل الخميني كان الشاه، وقبلهم كان الصفوي، كلهم يحلمون بحكم العراق وتفتيته، فمن العراق كانت الانطلاقة نحو إزالة ملك كسرى، ومن العراق كانت نهاية الدولة الصفوية، ومن العراق كان توقف حلم الشاه الأخير، وعند حدود العراق تحطمت أطماع الخميني في التمدد المذهبي بعد حرب دامت ثمانية أعوام، ولولا غرور واهم وتصرفات أجنبي ما دنس إيراني واحد أرض العراق.
لن يطول صبر العراقيين، وما أحداث الجنوب الحالية إلا مقدمة لما هو آتٍ، فالاحتجاجات التي انطلقت في البصرة والنجف وكربلاء ترفض الأمر الواقع، وتوجه إنذاراً للأحزاب، وخاصة التابعة لإيران، التي أحرقت أو كسرت مقراتها، فهذا البلد الغني، وصاحب الاحتياط الثالث عالمياً من النفط، لا يقبل أن يكون واقفاً على خط الفقر، ومليارات الدولارات تختفي تحت سمع وبصر الحكومات، ولا يمكن أن يكون ضحية لصراع الأشخاص أنفسهم الذين دمروه على نتائج الانتخابات، فالشعب العراقي يعرف أن إيران هي التي تعطل استقرار البلد، وهي التي تنشر الفوضى بين القوى التابعة لها، فهذا الصراع بين المالكي وحزبه، والعامري وحشده ليس أكثر من تمثيلية ينضم إليها الآخرون بإيعاز من «قاسم سليماني» وحرسه الثوري.
العراق لن يخضع للولي الفقيه، ومنه سنرى قريباً نهاية حكم الملالي، فالأصل، أصل كل شيء يدعيه نظام خامنئي، يبدأ في النجف وكربلاء، وليس في قم ومشهد.