لم نكن لنذهب وحدنا؛ كنا نحتاج إليه كي نذهب في الحلم أبعد… هكذا بالحرف، قال لي الشاب الذي التقيته في بهو فندقٍ بعيد في لندن.
وكنت قبلها أرى حماسة في الشباب السعودي بعد «رؤية 2030». أوشكت أن تنطفئ قبل ذلك. حين ألقيت محاضرتي في جامعة كولومبيا في ديسمبر (كانون الأول) 2017، كان الحاضر المضمر في كل سؤال، وكان السؤال يكبر معي في المطارات، لماذا يحب الشباب السعودي بخاصة، والعربي بعامة الأمير محمد بن سلمان؟
لأبناء جيلي، ربما نكون جيلاً مشوشاً غاضباً من اختطاف سني العمر باسم التدين الحركي، باسم القوميات، بالحروب التي لم تنته واحدة إلا وأشعلت أخرى… نعم، كنا وما زلنا أكثر استقراراً ورفاهاً في الخليج العربي من باقي الدول العربية، ولكن كنا واقفين بلا حلم بعيد، واقفين – وقوف السائر للأمام – يذهب مبتعثونا للجامعات، نعبد الطرق التي كانت مكسية بالرمال، نشاهد الأفلام العربية، على أمل أن تكون لنا شاشتنا التي يظهر فيها أبناؤنا وبناتنا، كي نرى أنفسنا. كنا نؤمن بالفنون وما زلنا، كان طلال مداح ومحمد عبده، كنا نحب صمتاً ونمشي صامتين ونحافظ على مسافة واحدة من الجميع… كنا نبني البيت الذي سيسكنه الحلم، حلم استيقظ على محيا محمد بن سلمان.
جوثاناثان سويفت (ت 1745) – الآيرلندي الساخر، هو من عرف الرؤية بأنها: فن تبصير الآخرين بما ليس مرئياً بعد، وما زالت القدرة على الحلم منذ فجر التاريخ توقظ الطريق وتعلي همم الرجال، فالعقول النيرة هي تلك التي ترى البركة في الحركة لا السكون، في العمل لا الخمول، ولا أصدق من عزيمة رجل خبر البقاء في مكتبه لـ18 ساعة يومياً، ليبتسم قائلاً: «يمكننا جميعاً الذهاب بعيداً هناك، لدينا كل شيء، وهبنا الله الجغرافيا التي تجعل بلادنا مزاراً للدنيا… لماذا لا نستثمر في المتاحف، لمن نترك الشعاب المرجانية والجزر الخلابة… إلى متى نعتمد على النفط ولدينا كل شيء، لن نسمح باختطاف أجمل سنين العمر من أيدينا».
محمد بن سلمان يرى التحدي، ويتحدث إليه، وهو يمشي واثق الخطى مسرعاً، مشية رجل لن يوقفه عن تتبع حلمه إلا الموت، فكيف لا نحبه يا تركي؟
وفوق هذا: جعل عمره طويلاً، وأيامه مثل طموحاته سمان معشبات، كما قال لي الشاب السعودي.
ولا يلوم الشباب العربي، لا الخليجي وحده في حب الأمير، فهذه بلادنا العربية تتخبط مذ ستينات القرن الماضي من المحيط إلى الخليج – مع استثناءات على أطراف أصابع اليد اليمنى – في حالة ضعف غير مسبوقة، فمن جمهوريات انزلقت إلى الفوضى، ومن ربيع استحال خريفاً، لأن العنف لا يُنبت إلا العنف، وصولاً إلى شام تفجعك فيه الجثث كل صباح، لأن معمماً إيرانياً رأى خاصرة عربية رخوة، فتسلل من شمال وجنوب، وأراد خاسئاً أن يخطف من العرب بيتهم القديم، فسَلّح ميليشيا الجهل في صعدة، ليختار مقبرة بيديه، فاليمن أصل كل عربي كما قال ابن سلمان، عريب الجدين، وهو من مد اليمن بالرجال، واستضاف كراماً شم الأنوف ليبايعهم على تطهير اليمن من دنس الخميني وفلوله المارقة، لا غير السيف المحني عند رجال الحزم، للفارسي الغر بشجاعة أبناء الصحراء.
داخلياً، يحبه الجميع، لأن حربه على الفساد أدهشت من لا يعرف محمد بن سلمان، وأكدت للعارفين أن طموحات الرجل بعيدة بعيدة، فما قد يحتاج لبلوغه الآخرين وقتاً طويلاً، قريب عند ابن سلمان، وإذا كان يستطيع أن يتعامل مع كل هذه الملفات في هذه المدة القصيرة، فإن من حقه أن يحلم، ويرى الحلم آتياً إليه!
ففي حواره مع الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس، قال الأمير محمد بن سلمان: «إذا كان لديك جسد مصاب بالسرطان في كل أعضائه، سرطان الفساد، فعليك استخدام العلاج الكيماوي، وإلا فإن السرطان سيلتهم الجسم»، مشدداً على أن السعودية لن تتمكن من تحقيق أهداف الميزانية، دون وضع حد لهذا النهب.
وعن الأرقام، والأمير يحب الأرقام جداً، فالأرقام لا تكذب، ولا تُجَمل، يستشهد بها، ويحاسب عليها، وينحاز إليها، انحيازه لحقيقة القانوني الذي يثق بالقوانين والأنظمة، لذلك انحازت الأرقام إليه عندما سُئل الشباب العربي في استطلاع بيرسون مارستيلر السنوي العاشر لرأي الشباب العربي، ففي الدراسة موضع النقاش، 90 في المائة من الشباب السعودي، و60 في المائة من الشباب العربي ينظرون لمحمد بن سلمان، قائداً قوياً ومؤثراً، وسيؤثر مستقبلاً على المنطقة.
هذا الاستبيان لم يكن عشوائياً، فقد شمل 3500 شاب (من 18 – 24 عاماً) من الجنسين، مباشرة وجهاً لوجه، يمثلون 16 بلداً عربياً.
كلما رأيت طموح الأمير محمد بن سلمان، ومحبة الشباب الطامح له، لأن تكون السعودية أنموذج تسامح ديني، وتنوعٍ اقتصادي، وثقافي ومعرفي، وواحة سلام يستريح فيها ويزورها كل مُتعب، آمنت بصدق الشاب المبتسم في بهو فندق لندن، حينما قال: «لم نكن لنذهب وحدنا»، بل كنا نحتاج لرجل حين يمسك بالقلم، يكون أول ما يكتب فوق هام السحب: وفي السحاب شيء من حلم، لكن مطره الصيب النافع حقيقة، ولو كرهها المبغضون.