جلسنا نتناقش، أيُّ يوم هو الأسوأ في حياتنا المعاصرة؟ بمعنى ما تركه من آثار. وسارع الجميع إلى الاتفاق على أنه يوم النكسة. لكنّ معترضاً قال إنه يوم النكبة، لأنه يوم البداية. وقال آخر: النكبة أقل مسؤولية لأننا كنّا أقل علماً ومالاً وأصدقاء.
وقال آخر: الذي انتصر في النكسة هي الخديعة، لا القوة. فقال صاحبه: إن تفريع الأسباب لا يفرّع الأخطاء، ولا يعزل عناصر الكارثة، ولا يحولها من مأساة تاريخية إلى مجموعة أخطاء. وقال ثالث: الخطأ كان في تحميل مصر تبعة كل شيء، بينما خسر الأردن القدس، وسوريا الجولان، وأعلن العراق اشتراكه في الحرب دون أن يتحرك، وأخفق الفلسطينيون في لعب أي دور مساندة.
وقال الأول: إن عنصر الخسارة الأول كان الدور السوفياتي الذي أصر على عبد الناصر عدم اتخاذ المبادرة في الهجوم، بعكس رأي قائد طيرانه. وقال آخر: إن تضعضُع المشير عامر ضعضع القوات المسلحة المصرية، وجعل المباغتة الإسرائيلية ترسم خريطة الهزيمة في يوم واحد. وقال رابع: إن الارتباك الذي حدث بعد اليوم الأول زاد من عمق وحجم الهزيمة، فلم تعد القيادة المصرية تعرف كيف تتصرف، وإن الخديعة الكبرى لم تكن إسرائيلية، بل الإذاعات العربية التي لم تعد قادرة على إحصاء طائرات العدو وهي تُسقطها على جميع الموجات.
وتساءل آخر: ما دامت مصر قد عبّأت العالم بالحرب، فلماذا لم تهاجم أولاً؟
فأجاب أحدهم بأن وزير الحربية شمس بدران هو الذي نقل من موسكو نصيحة بهذا الشأن. وعلق آخر: ألم تكن القيادة المصرية أدرى بما يجب أن تفعله؟ إن موسكو كانت صديقة لا شريكة في القرار، والقيادة العسكرية في مصر والأردن كانت مصرية (عبد المنعم رياض في عمان)، وقد سلم الملك حسين القيادة إلى مصر خوف أن يُتهَم بالتواطؤ، أو ما هو أبعد. ورغم ذلك، لم ينجُ من التهمة. واكتفى الجميع بعد ذلك بفتح جبهة في جنوب لبنان.
وقال آخر: مهما كانت التحليلات، فإنه كان أسوأ أيام العصر العربي. واعترض آخر بأن ذلك كان عام 1949 يوم بدأ الحكم العسكري الذي خسر الحروب والمعارك. وقال أحدهم: بل يوم سقط الميثاق العربي بإعلان حرب قاسم على الكويت. وصحح آخر: يوم استباحت المنظمة عمان. وقال آخر: بل صدّام في الكويت.وقال الأخير: مزِّق الروزنامة يا ولد.