منذ بداية «المونديال» تحوّلت معظم صحف العالم إلى جرائد رياضية: أخبار هزيمة المنتخب المكسيكي أمام سحرة الأمازون تحظى بأهمية أخطر بكثير من فوز أول يساري برئاسة المكسيك. لا عجب. محمود درويش كان يقول: الناس تهتم بالكرة أكثر مما تهتم بشعر المتنبي. وذات مرة كان يقيم أمسية شعرية توافق موعدها مع مباراة دولية مهمة، فلما دخل ووجد القاعة مكتظة بالحضور بادرهم بالقول: ماذا تفعلون هنا. لو لم أكن صاحب الأمسية، لما جئت.
لم يشتهر الأدباء والشعراء بحبهم للرياضة، بل العكس. وشعر بعضهم بالغيرة منها، حتى إن توفيق الحكيم قال ساخطاً: «انتقلنا من عصر القلم إلى عصر القدم». لكن ندّه الأكبر نجيب محفوظ، ظل زملكاوياً حتى الغياب. وكان يقول إنه ولد بصراعين: الكرة والأدب. وقد انتصر الأخير. وكان يحلم منذ طفولته بأن يصبح لاعب الدفاع في منتخب مصر، لكنه ترك لعب الكرة مع دخول الجامعة، ليصبح بدل ذلك أول عربي يحمل نوبل للآداب. وكانت أمه، التي لا تقرأ ولا تكتب، هي من تشجعه منذ الطفولة، على الحرفتين.
جرفت «الكورة» أدباء مصر مثلما جرفت سائر المصريين. لا مكان للحياد. وقد سماها محمود درويش «أشرف الحروب»، لكنها لم تكن دائماً كذلك. وقبل سنوات سقط في بورسعيد عدد من القتلى، مما حمل الدولة على إغلاق الملاعب أمام الجماهير. وفي بلدان أخرى، مثل أميركا اللاتينية، قامت حروب إقليمية بسبب الكرة، لعل أشهرها تلك التي قامت بين جمهوريتي هندوراس والسلفادور (1970) بسبب التأهل للمونديال، وسقط فيها نحو 900 قتيل و2300 جريح. وكان أشهر من غطى «حرب المائة ساعة» المراسل البولندي ريزارد كابوشنسكي.
في لبنان حدثت معارك كثيرة كاد بعضها يتحول إلى كوارث، والسبب طبعاً هو العامل الطائفي. وفي سوريا تمت عسكرة الكرة مثل كل شيء آخر، وأشهر الفرق هي فرق الجيش. وثمة ظاهرة لا تفسير لها: اللاعبون العرب لا يصلون إلى العالمية إلا عندما يكونون جزءاً من فريق دولي، مثل زين الدين زيدان ومحمد صلاح. الأفراد يربحون والمجموعات – عقبال المونديال المقبل.