في الأيام الأولى لظهور النتائج الأولية للانتخابات العراقية التي جرت في الثاني عشر من مايو الماضي اضطر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي حلت القائمة التي يدعمها «سائرون» بالمركز الأول (54 مقعدا) إلى ترك مقره الدائم في حي الحنّانة بمدينة النجف والقدوم إلى بغداد.
وطوال أسبوع تحول مقره إلى خلية نحل سواء لجهة الاجتماعات أو اللجان أو اللقاءات مع كبار الزعامات العراقية. شمل هذا الحراك الذي كان هدفه الوصول إلى الكتلة البرلمانية الأكبر جميع القوى والأطراف لا سيما الفائزة الشيعية والسنية والكردية.
وبدأت ملامح الصورة تتضح عبر إعلان ما سمي بالتفاهم بين كل من «سائرون» المدعومة من الصدر و«الحكمة» بزعامة عمار الحكيم و«الوطنية» بزعامة إياد علاوي، فإن المفاجأة غير السارة، خصوصا للأكراد والسنة، جاءت عبر إعلان تحالف بين «سائرون» و«الفتح» بزعامة هادي العامري في مدينة النجف حيث عاد الصدر إلى مقره هناك خصوصا بعد تزايد الشكوك والطعون بالانتخابات مما هدد حتى بإلغائها لو كان البرلمان تمكن من المضي في جلسات كاملة النصاب باتجاه تعديلين حاول إجراءهما لقانون الانتخابات هما التعديل الثالث القاضي بالعد والفرز اليدوي الجزئي طبقا لاعتراف القضاة المنتدبين والرابع القاضي بالعد والفرز الشامل مع إمكانية تمديد عمر البرلمان وهو ما لم يتحقق بسبب الفشل في إكمال النصاب.
ومع دخول العراق في ما بات يسمى «الفراغ التشريعي» وهي التسمية المخففة عن الفراغ الدستوري منذ الأول من يوليو (تموز) الحالي وبقاء الحكومة كاملة الصلاحيات السياسية منقوصة الصلاحيات التشريعية فإن الحديث عن إمكانية المضي في عقد التحالفات والتفاهمات بين ما أطلق عليه في العراق قبيل الانتخابات وأثنائها «الفضاء الوطني» قد توقفت إن لم تكن تراجعت بعد أن اصطدمت بقوة التخندق الطائفي وحجم التأثيرات الإقليمية والدولية.
وقال السياسي العراقي أحمد الأبيض، إن «الانتخابات الحالية وبرغم ما رافقها من ضجيج سياسي وإعلامي لم تتغير كثيرا من حيث النتائج والمعطيات لذلك عادت وبسهولة المعادلة القديمة التي هي عرقية – طائفية»، مشيرا إلى أن «الكتل والزعامات السياسية التي كانت تتحدث عن الكتلة العابرة للطائفية والعرقية أو الأغلبية السياسية أو ما سوى ذلك من هذا الكلام إنما كانت قد اضطرت إلى مجاراة هبة الشارع الذي كان يتظاهر على مدى أكثر من عامين لكنهم بعد الانتخابات وما رافقها من إشكاليات بما في ذلك المقاطعة شبه الشاملة جعلتهم يعودون إلى قواعدهم الأصلية».
ويوضح الأبيض هذه الجزئية قائلا إن «المسألة الأساسية التي يجب الانتباه إليها هي أن مصالح القوى السياسية لن تتحقق ما لم يحصل تخندق طائفي وعرقي وهذه تكاد تكون معادلة ثابتة في العراق». وحول التأثيرات الإقليمية والدولية يقول الأبيض إن «الإيرانيين يرون أن لا حكومة عراقية يمكن أن تتشكل خارج التحالف الوطني (الشيعي) الذي يتشكل برعايتهم ولذلك لا بد من إعادة إحيائه وفي الوقت نفسه فإن الأتراك يرون أن نفوذهم لن يتحقق بالطريقة التي يريدونها هم ما لم توجد معادلة سنية كبيرة حيث إنهم من دونها لن يتحقق لهم ذلك بينما السعودية تراهن على ما هو عروبي في العراق لأنه الوحيد الذي يمكن أن يقضي على التخندقات الطائفية والعرقية».
وحول الموقف الأميركي من هذه المعادلة، يرى الأبيض أن «الأميركيين مشغولون اليوم بصفقة القرن الخاصة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ولكن هناك جزئية مهمة فيها وهي عزل إيران تماما مما يضعف مشروعها في العراق والمنطقة». غير أن الأبيض يرى أن «أي حكومة تتشكل على أساس طائفي لن يكتب لها النجاح في العراق بعد اليوم لأن المعطيات تغيرت ولن يتعامل معها العالم وهو ما يتوجب على القوى الوطنية العراقية إدراكه والتعامل معه».
بدوره، أكد القيادي الكردي في الحزب الديمقراطي الكردستاني شوان محمد طه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «أفق الوطنية العراقية ضائع لدى الجميع وهناك إشكالية في هذا الأمر يجعل الجميع ينظرون إلى أن مصالحهم لن تتحقق إلا في إطار التخندقات العرقية والطائفية». ويضيف طه أن «المشكلة التي نعانيها في العراق هي أننا لم نتمكن من بناء مؤسسات قادرة على أن تتفوق على أي حس طائفي أو عرقي والسبب في ذلك يعود إلى عدم وجود رجال دولة يذهبون باتجاه البناء المؤسساتي وليس رجال أحزاب يخدمون أحزابهم وقواهم السياسية فقط».
إلى ذلك قدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمس أربعة تساؤلات حول تحديات التطورات السياسية. وقال الصدر في تغريدة له على «تويتر» إن «أول تساؤل حول ملفات الفساد» متسائلا «متى يحاكم الفاسدون ومن سيحاكمهم». أما السؤال الثاني فقد تضمن جملة «متى يكون القرار عراقيا ولا ننتظر القرار من خارج الحدود شرقا أو غربا». والفقرة الثالثة من أسئلة الصدر تضمنت «متى يزدهر العراق وتكون عملته في مصاف العملات الكبرى» بينما كان السؤال الرابع هو «متى يكون للشباب المثقف دور فاعل في رسم مصير العراق وفي بنائه». واختتم الصدر تغريدته «كلنا بانتظار محاكمة الفاسدين».
وبينما يمضي زعيم التيار الصدري في تساؤلاته، فقد كشف القيادي في حزب الدعوة الإسلامية جاسم محمد جعفر عن مساع لإعادة التحالف الوطني مجددا. وقال جعفر في تصريح إن «مساع سياسية تبذل لإعادة إحياء التحالف الوطني مجددا لتشكيل الحكومة المقبلة بضم ائتلافات الفتح والنصر ودولة القانون وسائرون والحكمة»، مبينا أن «هذا التحالف سيفتح أبوابه لجميع الكتل السياسية السنية والشيعية والكردية الأخرى للإسراع في تشكيل الحكومة المقبلة».