تستمر شركة فيسبوك بتطوير نفسها لتجعل من موقع التواصل الاجتماعي المكان الأمثل للتعبير عن النفس دون كلام.
فزرّ الإعجاب يوفر عليك التعبير الكلامي والشفهي عن إعجابك بصورة أو منشور ما، وزر المشاركة يغنيك عن التحدث عن خبر سمعته، وقريباً سوف يطلق الموقع للمستخدمين إمكانية التعبير عمّا لا يعجبهم أيضاً عبر زر “لا يعجبني” أو “Dislike”.
يبدو الأمر للوهلة الأولى عادياً، إلا أن هذه الإضافة ستحدث تغيرات في سلوكيات الاستخدام وفي طبيعة علاقة المستخدمين ببعضهم، فإذا لم تتمكن فيسبوك من إدراج الخدمة الجديدة ضمن ضوابط دقيقة تضمن عدم الإساءة للآخرين، قد يضطرون لاحقاً لتغيير اسم “قائمة الأصدقاء” أيضاً.
إذا أردنا الحديث عن التأثيرات السلبية التي سترافق تفعيل زر “لا يعجبني” فهي كثيرة، فعلى الصعيد التربوي على سبيل المثال، وعند المراهقين وطلاب المدارس تحديداً سيتحول زر عدم الإعجاب لأداة “إساءة إلكترونية” تماماً كوجود زميل مسيء يمطرك بتعليقات ونظرات تسخر من أفكارك قصداً.
وفي حين أن العلاقات الافتراضية بين الناس البعيدين عن بعضهم جغرافياً قد لا تنعكس على أرض الواقع بشكل مباشر، فيما يتعلق بجيل المراهقة ووجود تواصل افتراضي وحقيقي بين الطلاب، لكن ستنعكس الإساءات الافتراضية على الجو الدراسي العام في المدرسة أو الحي أو الشارع، وقد تؤدي لنشوب شجارات وتسيء للعلاقات الحقيقية.
من جانب آخر، ولأن فيسبوك بصفحاته وحساباته الكثيرة يعتبر منبراً للتعبير عن الرأي السياسي والفكري والمعتقدات الدينية، قد يستخدم زر عدم الإعجاب من قبل الأطراف المختلفة فكرياً بطريقة تؤدي لزيادة المشاحنات والتوترات والتصدعات الطائفية والسياسية والفكرية.
وفي هذا السياق يذكر أن تسهيل التعبير عن الرأي بكبسة زر فضلاً عن التحفيز على الكتابة المفصلة لشرح وجهة النظر، سوف يكون للضغط على هذا الزر مساهمة في تعزيز الخلافات والاختلاف بوجهات النظر. لأن المستخدم “الكسول والمستعجل بطبعه” غالباً ما سيكتفي بالضغط على الزر دون أن يرفق ذلك بشرح مفصل لوجهة نظره، وهذا أيضاً قد يقلص إجمالاً من عدد التعليقات على المنشورات في فيسبوك.
ليس فيسبوك هو الموقع الأول الذي يدرج زر “لا يعجبني” كخيار للمستخدمين، ففي موقع يوتيوب أيضاً يمكنك ضغط هذا الزر لكن الأمر لم يثر أزمات ملحوظة، ولن يفعل كما يحصل في موقع فيسبوك، وحتى إن حصل فإن شكل الموقع والهدف منه لن تجعل المستخدمين يحملون كبسة “لا يعجبني” معان أكثر من المقصود منه.
ففي موقع يوتيوب يكون الفيديو متاحاً للجميع، ويتوقع صاحب الفيديو مسبقاً أن يلاقي ما ينشره إعجاب ناس معينين وسخط آخرين، ولأن المشاهدين ليسوا مصنفين في الموقع وفي ذهنه أيضاً على أنهم “أصدقاء” فهذا سيخفف من وطأة “عدم إعجابهم”.
وعلى عكس ذلك، بُني موقع فيسبوك بهدف تسهيل التواصل بين “الأصدقاء” على الحيز الافتراضي، لذا فإن جمهور المتابعين في فيسبوك هو جمهور معرّف لصاحب الحساب والكثير منهم من دائرة المعارف القريبة أو المتوسطة أو البعيدة، في حين أن جمهور متابعي اليوتيوب أوسع وأشمل ومخفي الهوية إلى حد كبير.
من ناحية أخرى لا يمكن القول إن هذه الأداة الجديدة لا تتضمن إيجابيات، فعن طريق زر “عدم الإعجاب” يمكن للمستخدمين أو “الأصدقاء” كما يسميهم فيسبوك، التعبير عن تفاعلهم مع حدث سيء يمر به أحد الأصدقاء، مثل الوفاة أو حصول حدث سلبي ما، أو التعبير عن احتجاجهم على قضايا وقرارات سياسية واجتماعية خاصة على صفحات الشخصيات العامة البارزة، كما يمكن أن تدفع الناس للتعود على فكرة وجود آراء مغايرة لآرائهم ولو لم يعجبهم ذلك.
ومن شأن هذه الأداة أيضاً أن تسهل على المتصفحين معرفة آراء الناس إجمالاً بشأن أمر معين وإجراء استطلاعات سريعة وجمع النتائج بشكل فوري، فحتى الآن لم تكن هناك آلية للإجابة على سؤال (نعم ولا) في الصفحات الشخصية في فيسبوك إلا عن طريق التعليقات، مما يصعب على من يريد إجراء استطلاع سريع أن يحصل على نتائج بسهولة خاصة إذا كان التفاعل بالصفحة كبيراً.
وفي الوقت الذي يكثر فيه الخوف من لحظة إطلاق هذه الميزة الجديدة، يمكن لموقع فيسبوك، كما صرّح مؤخراً، بأن يفعل هذه الخدمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا تتحول لأداة إساءة تضر بالهدف العام من الموقع، وأن لا تكون بديلاً للحديث ولا تحوّل مستخدم فيسبوك إلى جمهور “معجبين” و”غير معجبين” صامتين!