نون والقلم

عاصم عبد الخالق يكتب: الحاضر الغائب في الصفقة الأمريكية الكورية

رغم أنها ليست طرفاً في المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، تظل الصين هي الحاضر الغائب في الصفقة التي يجري الاتفاق على تفاصيلها حالياً بين العدوين اللدودين. لم تكن الصين غائبة قط عن وعي واهتمام صانع القرار الأمريكي وهو يتحرك بحثاً عن تسوية للأزمة الكورية. الصين بصعودها المطرد، ونفوذها المتعاظم، ودورها المتمدد، وطموحها اللانهائي هي الهاجس الأكبر للولايات المتحدة. ولا تخفي واشنطن ذلك.

وكل الاستراتيجيات المعلنة للأمن القومي الأمريكي تعترف وتحذر من العملاق الصيني. والاستراتيجية التي أعلنتها الإدارة الحالية في بداية العام اعتبرت التنافس الدولي وليس الإرهاب هو التهديد الأساسي الذي يواجه الأمن القومي الأمريكي. وفي مقدمة الأطراف التي تنافس أمريكا على الدور والهيمنة والنفوذ في العالم جاءت الصين.

من هذه الزاوية تحديداً يجب النظر إلى القرار الاستراتيجي والتاريخي الذي اتخذته واشنطن بالمصالحة مع كوريا الشمالية والسعي لإبرام اتفاق معها. يستسلم كثير من المراقبين لفرضية منطقية تقول إن الهدف الأمريكي الأساسي هو نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، وهو افتراضي بديهي قياساً على ما فعلته واشنطن مع العراق وليبيا وما تريد تحقيقه مع إيران، وعلى أساس أن نزع أسلحة الدمار الشامل أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية.

غير أن الحالة الكورية تبدو مختلفة تماماً. والقراءة المتأنية للمعطيات الإقليمية والدولية، وخصوصية النموذج الكوري تطرح فرضية أخرى مناقضة، بل قد تبدو غريبة وصادمة وهي أن الولايات المتحدة لن تمانع في احتفاظ الشطر الشمالي بترسانة نووية محدودة وفاعلة، باعتبار أن ذلك يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي على المدى البعيد.

قد يدهش هذا الاستنتاج المخالف للرؤية الشائعة الكثيرين إلا أنه يجد من يؤيده، وتوجد من المؤشرات ما يدعمه، آخرها كان التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي الأسبوع الماضي وقال فيه إن بلاده لا ولن تضع جدولا زمنيا لنزع السلاح النووي في كوريا. وهو ما يعني أنها ليست في عجلة من أمرها، وأن ذلك ليس أولوية، وليس هو لب القضية.

الفكرة نفسها طرحتها وناقشتها بتوسع مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية موضحة أن احتفاظ كوريا الشمالية بجزء من سلاحها النووي يمنح قيادتها قدراً معتبراً من الهدوء والاستقرار، والاطمئنان إلى قدرتهم على الردع،ومن ثم لجم توجهاتهم العدوانية وتهدئة مخاوفهم من هجوم أمريكي- كوري جنوبي للإطاحة بالنظام. مثل هذا الهدوء سيمنح الشطر الشمالي القدرة على التفاوض ويضمن الاستقرار في المنطقة.

ثمة سبب آخر يدعو واشنطن للسماح بوجود أسلحة نووية في كوريا الشمالية وهو يتعلق بالفهم الأمريكي العميق والذكي لطبيعة العلاقات الخاصة للغاية بين كوريا الشمالية والصين، وهي علاقات لا ترقى لمستوى التحالف الاستراتيجي كما يظن كثيرون، بل يشوبها قدر من الشك من الجانب الكوري، ونوع من التردد من الجانب الصيني.

تخشى كوريا من الهيمنة الصينية عليها، وتخاف بكين من تهور رفيقها الشيوعي بالاندفاع إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة مع أمريكا أو الشطر الجنوبي وهو ما يعني المخاطرة بجر الصين إلى صراع لا تريده ولا تحتمل نتائجه. كما لا يمكن للصين بحال من الأحوال التضحية بمصالحها الاقتصادية الهائلة مع واشنطن وسيول من أجل كوريا الشمالية.

هذه الأخيرة تعلم بالطبع كيف يفكر حكماء بكين. وتخشى في الوقت نفسه أن تتحول تدريجيا إلى دويلة تابعة للصين بفعل اعتمادها المتزايد عليها نتيجة للعقوبات الغربية. وليس من مصلحتها بالطبع تعاظم النفوذ والتواجد الصيني على أراضيها. هنا تلتقي مصلحة كوريا الشمالية بمصلحة واشنطن التي هي أحرص ما تكون على تقويض النفوذ الصيني. ومن ثم فإن إضعاف كوريا ومواصلة الضغط عليها يعني أن واشنطن تقدمها هدية مجانية لبكين.

المصلحة الأمريكية إذن تقضي بمنح كوريا الثقة بالنفس والإحساس بالاستقلالية وعدم الحاجة لمظلة دفاعية صينية وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون احتفاظها بجانب من ترسانتها النووية.

نقلا عن صحيفة الخليج

 

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى