إن وصف «المرابطون» لا يصح ولا يجوز أن يقتصر إطلاقه فقط على ذلك النفر الشجاع المقدام من شابات وشبان فلسطين، الذين يصرون على البقاء داخل أروقة وقاعات المسجد الأقصى في القدس، دفاعاً عن عروبته في وجه دولة الكيان الصهيوني، ومحاولات مستوطنيه المتكررة، لاقتحامه تحت ذريعة إطلاق اسم «هيكل سليمان» عليه.
إن شعب فلسطين بأسره، أصبح في الظروف الدولية والعربية والفلسطينية البائسة التي تحيط بالقضية، بالذات بعد الوقوع في فخ اتفاقيات كامب دافيد، ثم اتفاقيات أوسلو، يستحق أن يطلق عليه لقب «المرابطون».
في أحد الاجتماعات الأخيرة للأجهزة الأمنية العليا في الكيان الصهيوني، جاء الدور في الحديث على أحد الرؤساء السابقين لجهاز الاستخبارات «الإسرائيلية»، فالتفت إلى المجتمعين الذين كانوا يناقشون الأخطار الوجودية التي تهدد الكيان الصهيوني، وقال لهم: «هل تعرفون ما هو الخطر الوجودي الأبرز والأهم والأخطر، الذي يهدد «إسرائيل»، إنه ليس السلاح النووي الإيراني (إذا امتلكته إيران)، إنه شعب فلسطين». ومن البديهي أن هذا المسؤول السابق قد استفاض بعد ذلك في شرح الأسباب التي دفعته إلى اعتناق هذا الاعتقاد.
إن نظرة فاحصة متعمقة إلى مسيرة الصراع العربي «الإسرائيلي» في العقود الأخيرة بشكل خاص، ومنذ أن أراد أنور السادات فرصة تحويل إنجاز أكتوبر 1973 العربي العسكري، إلى فرصة سياسية ذهبية ليتم نتيجة لها تحرير سيناء والضفة الغربية والجولان، تمهيداً للدخول في حل نهائي لقضية فلسطين بطريقة تمحو محواً كاملاً أثار الجريمة الأصلية التي ارتكبت في العام 1948، إن نظرة فاحصة متعمقة إلى مسيرة الصراع منذ إهدار تلك الفرصة الذهبية، التي يصعب تكرارها، تظهر تحول عرب فلسطين في الأراضي المحتلة عام 1948، كما في قطاع غزة والضفة الغربية، إلى مرابطين على أرض فلسطين التاريخية من الآن وحتى فرط الحل التاريخي النهائي.
فمنذ تلك المحطة الجديدة في الصراع، أصبح الصراع مفتوحاً بين الكيان الصهيوني، الذي أصبح يسيطر أمنياً وعسكرياً على كامل تراب فلسطين التاريخي، وبين هذه الكتلة البشرية التي تعد بالملايين من العرب الفلسطينيين الذين بقوا «مرابطين» على هذه الأرض.
ومنذ ذلك اليوم، والسؤال الرئيسي الذي طرح نفسه، وما زال مطروحاً حتى يومنا هذا: من هو الأقدر على تحديد المصير النهائي لأرض فلسطين الكاملة:
الكيان الصهيوني، بكل ما يمثله من جحافل المهاجرين بالقوة إليها من يهود العالم، ومن علاقات دولية مع القوى الكبرى، ذات المصالح في خبرة المنطقة من العالم؟
أم أصحاب الأرض الأصليون بما يمثلون من كيان بشري «مرابط» على أرضه التاريخية مستنداً إلى ملايين الشعوب العربية المنتشرة بين المحيط والخليج، على اختلاف أنظمتها السياسية، والظروف المتقلبة لتلك الأنظمة؟
إن الذي ينظر إلى المشهد التاريخي الحالي للصراع نظرة سطحية خارجية، يمكن أن ينتابه للحظة شعور بأن الحركة الصهيونية بكل ما وصلت إليه من سيطرة عسكرية وأمنية كاملة، ومن نجاح في تهويد أقسام كبيرة من الضفة الغربية، والقدس العربية، قد أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من إنجاز مشروعها التاريخي بتهويد فلسطين.
لكن الباحث عن الحقيقة حتى في أوساط المثقفين داخل الكيان الصهيوني، سرعان ما يكتشف أن «الإسرائيليين» أنفسهم هم آخر المتفائلين بقرب إنجاز مشروعهم التاريخي، ما دام شعب فلسطين مرابطاً على أراضي 1948، وأراضي 1967، متكاثراً تكاثراً بشرياً يعد بالملايين، ومتمسكاً بكامل حقوقه التاريخية، بالصلابة التي يتمسك بها «مرابطو» المسجد الأقصى، العصي على كل جبروت الكيان الصهيوني، وهو في عز سيطرته.