فشل مجلس النواب العراقي، اليوم الخميس، في تمديد ولايته، وهو الخيار الذي حاولت أطراف سياسية الدفع به بحجّة مواجهة الفراغ الناجم عن تأخّر تشكيل برلمان جديد بفعل تأخير البتّ في نتائج الانتخابات النيابية التي ما تزال مثار تجاذبات وخلافات كبيرة لما شاب الاقتراع وفرز الأصوات من خروقات وعمليات تزوير يعتقد أنّها واسعة النطاق.
ومع نهاية المدّة القانونية للبرلمان الحالي آخر الشهر الجاري يدخل العراق في وضع دستوري مختلّ تغيب فيه السلطة التشريعية، فيما ستواصل السلطة التنفيذية ممثّلة بحكومة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي عملها بالضرورة.
وقال رئيس المجلس سليم الجبوري، اليوم الخميس إن ولاية المجلس ستنتهي السبت المقبل، ما لم يصوت النواب على تمديدها لحين الانتهاء من إعادة فرز أصوات الانتخابات العامة، مبيّنا في مؤتمر صحافي أن إعادة الفرز اليدوي ستبدأ الأسبوع المقبل.
وأنهى البرلمان الجمعة الماضية، مناقشة تعديل قانون يتيح له تمديد ولايته لغاية مصادقة القضاء على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما يسمح له بمراقبة عملية العدّ والفرز اليدوي المرتقبة لأصوات الناخبين.
وقال محمد الصيهود النائب عن التحالف الوطني، الكتلة الأكبر في البرلمان والمشكّلة من 180 مقعدا إنّ «مجلس النواب أجّل عقد جلسة البرلمان المقرّر خلالها التصويت على التعديل الرابع لقانون الانتخابات إلى إشعار آخر».
وأضاف أن «رئيس المجلس كلّف اللجنة القانونية لتحديد موعد جديد، يجب أن يكون قبل السبت، وبعدها لا يمكن عقد أي جلسات أخرى». وينص الدستور العراقي على أن ولاية البرلمان تمتد لأربع سنوات تقويمية، وهو ما يفسره مختصون بعدم جواز تمديد ولاية البرلمان.
واختلفت التيارات والكتل السياسية العراقية حول تمديد ولاية البرلمان، بحسب مصالحها وأهدافها، وإن حاولت أن تُخرج ذلك مخرجا قانونيا ودستوريا.
وعلى العموم فإنّ من وقفوا وراء محاولة الدفع بخيار التمديد هم من خسروا الانتخابات وشكّكوا في نتائجها ودفعوا باتجاه إعادة فرز الأصوات آملين أن يصل الأمر حدّ إلغاء الاقتراع وإعادته.
أما من حقّقوا مكاسب في الانتخابات فقد رفضوا تمديد ولاية البرلمان، وعلى رأسهم ائتلاف «سائرون» المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والحاصل على أكبر عدد من المقاعد، وقد شرع استنادا إلى ذلك في العمل على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر القادرة على تشكيل الحكومة.
وشدّد المتحدث السياسي باسم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على أنّ السبت هو آخر يوم من عمر البرلمان «بعد ثبوت الرؤية السياسية» من خلال عدم تحقق نصاب جلسة الخميس.
وقال جعفر الموسوي في بيان «نبارك للدستور ولجميع الكتل السياسية التي التزمت وحافظت على عدم خرقه». وكان من المقرر أن تُعقد، الخميس، جلسة استثنائية لمجلس النواب لمناقشة عدد من القوانين وإقرار قانون تمديد ولاية البرلمان، إلاّ أنّه تم تأجيلها إلى إشعار آخر بسبب عدم اكتمال النصاب. وهو تأجيل شكلي لأن الوقت المتبقي من عمر البرلمان ضيّق جدّا، ويعدّ بالساعات.
وعزا النائب عن تحالف القوى العراقية فارس الفارس الفشل في عقد الجلسة إلى رفض عدد من النواب لخيار تمديد عمل البرلمان، واكتفائهم بدعم خيار إعادة فرز الأصوات الانتخابية يدويا والذي نصّ عليه تعديل قانوني مرّره البرلمان في وقت سابق.
وكان البرلمان أقر بداية الشهر الجاري تعديلا قانونيا يجيز إعادة فرز الأصوات يدويا على مستوى البلاد، لكن اللجنة القضائية قالت إن الخطوة ستقتصر على المناطق التي وردت في تقارير رسمية عن مزاعم تزوير أو في شكاوى رسمية. ومن شأن هذه الخطوة تسريع تعديل النتائج النهائية وإقرارها وتشكيل حكومة جديدة.
وأشار الفارس إلى أنّ زعماء أغلب الكتل السياسية في البرلمان أوضحوا أنهم لن يدعموا مشروع قانون يمدد ولاية البرلمان أو يقضي بإعادة فرز كل الأصوات.
ومن جهته أكّد مصدر من داخل مجلس النواب، أنّ نوابا كثيرين محسوبين على كتل متعدّدة -لم يسمّها- تراجعوا عن دعم خيار التمديد بعد أن كانوا قد تحمّسوا من قبل لإقرار إعادة فرز الأصوات الانتخابية، مؤكّدا خضوع المتراجعين لـ«ضغوط ومساومات» من خارج المجلس.
وقال ذات المصدر إنّ التوجّه الآن من قبل القوى المؤثّرة في المشهد العراقي، هو نحو «لملمة» ملف الانتخابات والسير قدما نحو تشكيل حكومة جديدة تضمن استمرار العملية السياسية في العراق وعدم انهيارها، مشيرا إلى أنّ « طهران وواشنطن تجدان، رغم الخلافات الكبيرة بينهما، مصلحة مشتركة في استقرار الوضع بالعراق واستمراره على ما هو عليه».
ولم يستبعد حصول الغالبية العظمى من الأطراف السياسية على تطمينات بشأن ضمان حصصها في السلطة التي ستنبثق بعد «فضّ الاشتباك الدائر حول النتائج الانتخابية» متوقّعا أن يتمّ ذلك في أمد قريب.
وختم بالقول «تعوّدنا في العراق على تجاوز الإشكالات القانونية والخلافات حول تفسير النصوص الدستورية بترضيات وتسويات سياسية، وهو أمر قارّ بعد كلّ انتخابات»، مذكّرا بـ«ما حدث سنة 2010 حين أعيد تفسير نصّ دستوري لفائدة نوري المالكي على حساب إياد علاوي، وبما حدث في انتخابات 2014 بالتوافق على إسناد رئاسة الحكومة لحيدر العبادي على حساب نوري المالكي»، ومعتبرا أنّ «القضايا القانونية والدستورية في العراق تغدو ثانوية وغير ذات قيمة أمام الصفقات والتسويات السياسية».