عندما وقّع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً ينهي فصل الأطفال عن أسرهم في الحدود، لم ينهِ ذاك التوقيع الأزمةَ في أميركا الوسطى. كما أنه لا ينبغي أن يقلل من قلقنا الأخلاقي عند رؤية الأشخاص الأكثر فقرا وهشاشة يعامَلون بطرق تتنافى كلياً مع قيم بلدنا. اللحظة تتطلب أيضاً تجديد التركيز على ما يسمى “المثلث الشمالي لأميركا الوسطى” – بلدان السلفادور وجواتيمالا وهندوراس، التي تمثل معا المصدَر الرئيسي للمهاجرين الذين يعبرون حدودنا الجنوبية. وما لم نعالج الأسباب الحقيقية التي تحرك الهجرة من المنطقة، فإن أي حلول تركز على حماية الحدود فقط ستكون غير كافية.
الأمر يتعلق بمجال خبرته جيدا. ففي 2014، كلّفني الرئيس باراك أوباما بتزعم رد دولي على ارتفاع عدد المهاجرين الذي كانت نتيجته في نهاية المطاف عبور 68 ألف طفل من دون مرافق من أميركا الوسطى للحدود إلى الولايات المتحدة. في ذاك الصيف، التقيتُ مع زعماء بلدان أميركا الوسطى في جواتيمالا من أجل اجتراح مخطط للحد من الهجرة، وكذلك من أجل التأكيد على أن الهجرة غير الشرعية خطيرة وتتيح أملاً ضئيلاً جداً للحصول على وضع قانوني أو الجنسية.
ثم سرعان ما أصبح واضحاً أن الهجرة من أميركا الوسطى لا يمكن أن تحل فقط من خلال فرض أقوى للقانون على الحدود الأميركية، ناهيك عن بناء جدار. وبدلاً من ذلك، كنا في حاجة لمعالجة الأسباب الحقيقية الهجرة، ونقصد بذلك الجريمة، والعنف، والفساد، وانعدام الفرص. وقد كنا ندرك أن كلفة الاستثمار في أميركا وسطى آمنة ومزدهرة هي متواضعة مقارنة مع كلفة السماح باستشراء العنف والفقر.
وعقب مفاوضات مكثفة بين إدارة أوباما ورؤساء “المثلث الشمالي”، وفّر الكونجرس 750 مليون دولار في 2016 لتمويل جهود حكومية من أجل إحداث تغيير عميق ودائم في أميركا الوسطى. ولأن حكومات أميركا الوسطى لطالما نُظر إليها – عن حق – على أنها فاسدة، ومفتقرة للكفاءة، وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، فإنني أيدتُ الكونجرس بخصوص ربط حزمة المساعدات بالتزامات ملموسة من قبل حكومات المنطقة بتطهير شرطتها، وزيادة جباية الضرائب، ومحاربة الفساد، وخلق الفرص الضرورية لإقناع المهاجرين المقبلين بالبقاء في بلدانهم.
وبالمقابل، تعهدت البلدان بمليارات الدولارات من أموالها لتحقيق وعد الرخاء والأمن. كما طبقنا برامج جديدة لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون خطراً فورياً عبر السماح لهم بطلب اللجوء دون الاضطرار للقيام بالرحلة الخطيرة إلى الولايات المتحدة. وبحلول نهاية إدارة أوباما، بدأنا نرى النتائج. فقد انخفض معدل جرائم القتل في هندوراس بالثلث منذ ارتفاعها إلى أعلى مستوى له في 2011؛ وحسّنت جواتيمالا جباية ضرائبها وحقّقت تقدماً على صعيد محاربة الفساد، حيث جدّدت لجنةً مهمة مدعومة من الأمم المتحدة لمحاربة الفساد حتى 2019. ومن جانبها، استهدفت السلفادور الشبكات المالية للمنظمات الإجرامية العابرة للبلدان بشراسة. وسمح التعاون في مجال الطاقة بين بلدان المنطقة بتمديد الوصول إلى الكهرباء في بلدان مثل هندوراس، حيث ما زال 12 في المئة من السكان غير متصلين بالشبكة.
ولكن هذا التقدم تطلب دبلوماسية مباشرة لإقناع زعماء هذه الدول بالتصرف على نحو معاكس لغرائزهم السياسية ووضع معايير واضحة تعكس رغبة حقيقية في التغيير. وقد كنا ندرك أنه لا بد من التزام – وضغط – أميركي مستمر من أجل تحقيق تقدم.
لقد وصلت إدارة ترامب السلطة عاقدة العزم على خفض المساعدات الممنوحة لأميركا الوسطى، ولم تنجح في ذلك إلا جزئياً بسبب مقاومة أعضاء ملتزمين في الكونجرس من كلا الحزبين. ومع ذلك، انخفضت المساعدات الأميركية بقرابة 20 في المئة، من 750 مليون دولار في 2016 إلى 615 مليون دولار هذه السنة. وبعد مؤتمر مبكر وواعد في ميامي حول الأمن والازدهار في أميركا الوسطى في يونيو 2017، حضره نائب الرئيس مايك بانس وعدد من أعضاء الإدارة الحالية، لم يلتق رؤساء “المثلث الشمالي” بشكل مشترك مع مسؤول أميركي رفيع منذ أكثر من سنة. وبالمقابل، كنت قد التقيتُ بهم ثلاث مرات خلال سنتي الأخير في المنصب. أما الزيارات الثنائية التي تتم من حين لآخر، مثل تلك التي جرت في وقت سابق من هذا الشهر بين وزير الخارجية مايك بومبيو والرئيس الهندوراسي خوان أورلاندو إيرنانديز، فإنها لا يمكنها أن تعوّض مقاربةً إقليمية شاملة للحد من أسباب الهجرة. ولا شك أن هذه الهجرة ستتواصل وتستمر إلا إذا واصلنا الضغط ووفرنا الدعم اللازم لنجعل من “المثلث الشمالي” لأميركا الوسطى منطقة آمنة تتمتع بالرخاء والازدهار.
نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية و”واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”