ضجة كبيرة صاحبت قيادة المرأة السعودية للسيارة، فقد كان يوم أمس الأحد يوماً مشهوداً عند فئات كثيرة، خاصة أولئك الذين يبحثون عن فراغ في قوائم النشطاء لينضموا إليها، أنصاف المجانين أصبحوا رسمياً من دون عقل، جننهم «تويتر» وأصحابه، كانوا يعدون الساعات ثم الدقائق حتى وصلوا إلى الثواني، وكان ينقصهم إطلاق الألعاب النارية إيذاناً ببدء عصر جديد كما يقولون.
ولم يحصل شيء بعد أن دقت الساعة، مراسلة إحدى المحطات ركبت السيارة وقادتها بين الأحياء، ولم يكن هناك جمهور، لم يصطف الناس على جانبي الطريق، الكل كان نائماً عند منتصف الليل، فهناك صلاة فجر وعمل ومدارس وامتحانات ورزق يبحث عن أصحابه، الناس لم يكونوا متأزّمين، لا تأييداً ولا رفضاً، ومن كان متعنتاً ذات يوم ارتخت أعصابه، وسار كل شيء بشكل طبيعي، فلا منتصر أو مهزوم في هذه القضية، بل حاجة وحق وثقافة واعتياد، تماماً كما حدث في زمن من الأزمان، قبل خمسة أو ستة عقود، عندما كانت المدرسة مرفوضة بالنسبة للبنات، وقبلها لم تكن ضرورية للأولاد عند بعض الآباء، ومع الأيام تغيرت الأفكار في كل مجتمعاتنا، حتى وصلنا إلى عكسها، فأصبح الشاب غير المتعلم تعليماً عالياً غير مقبول في الوظيفة أو في اختيار الزوجة، وبدأت العائلات تتفاخر ببناتها المتعلمات، وأصبحت تعتمد عليهن، ولم تفقد المجتمعات قيمها، فالقيم ركائز ثابتة، وغيرها متحرك ومتغير، ومن ينظر إلى نفسه سيكتشف كم التغيير الذي طرأ عليه في مراحل عمره الذي مضى، كلنا -ولا أستثني غير جيل «الآيباد» و«السوشيال ميديا» كما يحلو له أن يطلق عليه- كلنا لسنا أولئك الأطفال أو الشباب الذين عاشوا في خمسينيات وستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من بلغ الأربعين أو الستين وما فوق، كلنا نلبس غير لباسنا ونأكل غير أكلنا، ونسكن في غير منازلنا، ونركب وسائل غير وسائلنا، ونتحدث في أغلب الأحيان بلسان غير لساننا.
إنها سُنة الحياة، أن تتبدل وتتغير أحوالنا، وتختلف احتياجاتنا، فهذا شيء طبيعي، متطلبات الزمن الذي نعيش فيه تلزمنا بما لم يكن ملزماً في زمن سابق، فإن قادت المرأة السعودية السيارة اليوم فقد قادت أختها في الإمارات والبحرين والكويت وعُمان السيارة من قبل، وكانت عوناً لها، وهي -أي المرأة- عون لأهلها وأبنائها، ولم تشهد ضجة مثل التي شهدناها هذه الأيام.