قرر وزراء «أوبك» في مؤتمرهم أول من أمس، وبعد مفاوضات مضنية استمرت طويلاً، «الالتزام التام بخفض الإنتاج نحو 1.2 مليون برميل يومياً»، وفقاً للبيان الرسمي للمؤتمر. واعتبر المراقبون البيان غامضاً، لعدم تحديده حصة كل دولة، ما يعني انه اتفاق جماعي، يستدعي الكثير من التشاور والتنسيق. لكن يجب النظر إلى صعوبة الأوضاع المحيطة بالمؤتمر من نزاعات جيوسياسية عدة (المقاطعة الأميركية لكل من إيران وفنزويلا ، والصراع الشرق الأوسطي، والاضطرابات السياسية في كل من ليبيا ونيجيريا اللتين تقلصت طاقتهما الإنتاجية)، ومحاولة تحقيق الاستقرار في الأسواق في ظل متغيرات اقتصادية عدة (ما هو تأثير الحرب التجارية الممكن وقوعها على النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط). من ثم، يمكن اعتبار أن مؤتمر «أوبك» الذي كان واحداً من المؤتمرات الصعبة في تاريخ المنظمة، نجح في إيجاد الحلول الوسطى بين أعضائه لتفادي التحديات السياسية، وفي الوقت ذاته ضمان توازن العرض والطلب في الأسواق.
استطاع مؤتمر المنظمة زيادة الإنتاج فعلاً من دون الإشارة إلى ذلك، من خلال تقليص خفوضات الإنتاج، وبخاصة لعدم تحديد حصة كل دولة من الإنتاج، والالتزام بخفضه 1.2 مليون برميل يومياً بدلاً من 1.8 مليون المتفق عليها سابقاً. لكن البيان الصحافي للمؤتمر لم يحدد الرقم الحقيقي الذي سيتم الخفض منه. وهذا الغموض في البيان الصحافي مقصود، للتغلب على مطلب كل من إيران وفنزويلا والدول التي تفتقد الطاقة الإنتاجية الفائضة في زيادة إنتاجها. ويتوقع في ظل هذه الظروف، وفي حال الالتزام بخفض مجموعة أقطار «أوبك» 1.2 مليون برميل يومياً، والأخذ في الاعتبار عدم تمكن مجموعة من الدول زيادة الإنتاج، فإن الدول ذات الطاقة الإنتاجية الفائضة ستستطيع زيادة إنتاجها 300 ألف برميل يومياً خلال الربع الثالث من العام الحالي (أي قبل التطبيق الصارم للمقاطعة الأميركية للنفط الإيراني التي تبدأ في تشرين الثاني (نوفمبر) . كما سيعني هذا أيضاً، إمكان روسيا زيادة الإنتاج 300 ألف برميل أخرى يومياً.
هل سينجح قرار المنظمة الغامض؟ تكمن صدقية القرار في النجاح الذي حققه أقطار «أوبك» خلال السنتين الماضيتين، والتعاون والتنسيق في ما بينهم.
يشكل هذا القرار تغيراً مهماً في سياسة المنظمة ومجموعة «الدول الـ24» المتحالفة معها، التي قلصت فائض المخزون النفطي العالمي الذي أدى إلى تدهور الأسعار في 2016 دون 30 دولاراً لبرميل نفط «برنت». وتم بالفعل خفض فائض المخزون الى معدله للسنوات الخمس الماضية وفقاً لما تم الاتفاق عليه. ويتراوح سعر برميل النفط اليوم بين 75 و80 دولاراً، أو نحو 15 دولاراً فوق أكثر معدله لعام 2017. وأبدت دول مستهلكة كبرى (الصين والهند) علنياً تخوفها من التأثير السلبي للازدياد العالي والسريع للأسعار، ما قد يترك أثراً سلبياً على النمو الاقتصادي لبلديهما، ومن ثم تقليص استهلاكهما للنفط، وهو احتمال جدي أخذته المنظمة في الاعتبار لأهمية هاتين الدولتين الآسيويتين اللتين تشكلان أكبر سوقين لنفوط «أوبك».
وكما هو متوقع ، أثار اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترمب «أوبك» برفع أسعار النفط «على نحو مصطنع»، ردود فعل إيران وفنزويلا. فقد قال الرئيس ترامب في تغريدته على «تويتر»: «يبدو أن أوبك تعيد الكرة من جديد في ظل الكميات القياسية من النفط في كل مكان، بما في ذلك السفن المحملة في البحار. أسعار النفط مرتفعة جداً على نحو مصطنع وهذا ليس جيداً ولن يكون مقبولاً».
طبعاً ترفض المنظمة هذا الاتهام، فهي تعتبر نفسها مهتمة بقرارات الإنتاج، بينما تحدد السوق الأسعار. وانتهز وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة فرصة انعقاد المؤتمر وتغطيته من قبل كبرى وسائل الإعلام العالمية، واتهم بدوره الرئيس الأميركي بالتدخل في شؤون منظمة اقتصادية مستقلة. كما صعد زنغنة مطالبه قبيل المؤتمر، مهدداً بعدم الموافقة على زيادة الإنتاج. لكن انحصرت أولوياته في اتخاذ مواقف علنية متشددة تخدم سياسة حكومته، وفي الوقت ذاته لتحسين موقفه التفاوضي في الاجتماعات الرسمية للوصول إلى قرار يقلص فيه خسائره عددياً (تحديد حصة إنتاج كل دولة، بالذات لتوقع انخفاض الإنتاج الإيراني مع انسحاب الشركات النفطية العالمية وإغلاق الأسواق أمام الصادرات الإيرانية) وصياغة البيان الختامي بطريقة دبلوماسية لا تعكس بوضوح رأي الغالبية التي طالبت الإعلان بوضوح عن زيادة الإنتاج. لكن في النهاية، تغلبت اللغة الدبلوماسية الغامضة وحصلت الأغلبية على هدفها وحافظت على وحدة المنظمة.
يعود سبب تبني «تعديل» الإنتاج الذي هو فعلاً «زيادة» الإنتاج عن السابق، التي دعمها كل من السعودية وروسيا ورئاسة المؤتمر (الإمارات)، إلى تقلص معدلات الإنتاج لبعض الدول لمستويات متدنية أكثر مما كان متوقعاً. فقد استمر انخفاض الإنتاج، من دون هوادة، لكل من ليبيا ونيجيريا بسبب أوضاعهما الأمنية المتردية. وهناك أيضاً توقع انخفاض الإنتاج الإيراني والفنزويلي بسبب المقاطعة.
استــــطاعت المحادثات المكثفة خلال الأسابيع الماضـــية بين الوزراء وفي اللجان المختصة، أن تأخذ في الاعتبار كيفية التوصل إلى حل وسط يضم أيضاً الدول المعارضة لأي زيادة، كما هي الحال مع إيران وفنزويلا، أو معارضة الدول التي لا تتوافر لها طاقة إضافية التي ترغب ببيع الكميات المحدودة المتوافرة لديها بأسعار أعلى.
تبرز عادة في مداولات «أوبك» وجهات نظر ومصالح متعددة. فهناك الخلافات ما بين الأقطار ذات الاحتياطات والطاقات الإنتاجية الضخمة من جهة، وتلك ذات احتياطات وطاقات إنتاجية ضئيلة نسبياً. كما هناك التعاون بين الأنظمة المتحالفة والخلافات السياسية بين الدول الأعضاء. هذه جميعها عوامل مهمة، واستطاعت المنظمة تخطي الخلافات الكثيرة بين أعضائها في بعض الأحيان من خلال مفاوضات مضنية وحلول وسطية للوصول إلى قرار نهائي ينال موافقة الجميع. فالاتفاق على قرارات زيادته أو خفضه تتطلب الاجماع. وما يساعد المنظمة أكثر هذه الأيام هو مشاركة الدول غير الأعضاء في المنظمة، بخاصة روسيا. وتدور مفاوضات للإعلان عن ميثاق للعمل المشترك ما بين «أوبك» والدول غير الأعضاء في المنظمة قبل نهاية العام الحالي.