بعد 70 عاما من انسحاب القوات البريطانية من الأراضي المقدسة مخلفة وراءها انقسامات لا تزال باقية حتى يومنا هذا،سيصبح الأمير وليام يوم الاثنين المقبل أول عضو بالعائلة المالكة في بريطانيا يقوم بزيارة رسمية لإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وسيقوم وليام (36 عاما) حفيد الملكة إليزابيث والثاني في ترتيب ولاية العرش بالزيارة التي تستمر ثلاثة أيام بدون زوجته كيت وأطفالهما الثلاثة. وسيقيم في فندق الملك داود بالقدس، والذي كان يوما ما مقر السلطة البريطانية، حيث قتل متشددون يهود أكثر من 90 شخصا في تفجير في عام 1946.
وانتزعت بريطانيا السيطرة على فلسطين من الامبراطورية العثمانية المتداعية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917 لتحكمها بعد ذلك بموجب انتداب دولي.
وتتزامن زيارة وليام مع الذكرى السبعين لكل من خروج بريطانيا وقيام إسرائيل، وهو ما يعتبره الفلسطينيون سلبا لأراضيهم.
وعد بلفور
في نوفمبر تشرين الثاني 1917، بعث وزير الخارجية البريطاني أرثر جيمس بلفور برسالة إلى البارون روتشيلد، وهو زعيم بارز للجالية اليهودية في بريطانيا، عبر فيها عن دعم بلاده لإقامة «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين. وتطرق ما أصبح معروفا بوعد بلفور كذلك إلى حماية «الحقوق المدنية والدينية» للطوائف غير اليهودية.
وبات وعد بلفور علامة فارقة بالنسبة للإسرائيليين: فمقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء في القدس في شارع بلفور، وذكرت المكتبة البريطانية يوم الأربعاء أنها تبحث إعارة الوثيقة لمتحف إسرائيل.
وعلى النقيض يتهم الفلسطينيون البريطانيين بمنح أرض ليست بأرضهم وبالخداع إبان الحقبة الاستعمارية لانتزاع أراضي الامبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط.
الانتداب البريطاني على فلسطين
في عام 1922 منحت عصبة الأمم بريطانيا الانتداب على فلسطين، مؤيدة بذلك وعد بلفور. وشهد الربع قرن التالي قتالا في فلسطين بين العرب واليهود. واشتبكت الطائفتان كذلك مع القوات البريطانية.
وبالنسبة للناجين من إبادة ستة ملايين يهودي أوروبي في محرقة النازي، بات قيام دولة لهم في الأراضي المقدسة أكثر إلحاحا بعد الحرب العالمية الثانية.
واتسمت السنوات الأخيرة للحكم البريطاني بتصاعد الاشتباكات بين القوات اليهودية والعربية. وعندما قصف متشددون من جماعة إرجون اليهودية السرية فندق الملك داود في يوليو تموز عام 1946، كان من بين القتلى عاملون عرب ويهود وكذلك 28 مواطنا بريطانيا. وفي 1947، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية. ورفض ممثلو العرب الخطة.
وأعلنت إسرائيل قيامها في 14 مايو أيار 1948، وهو اليوم الذي سبق إنهاء الحكم البريطاني. وفر مئات الآلاف من العرب أو طردوا من منازلهم ولا يزال الملايين من ذراريهم لاجئين لا دولة لهم حتى اليوم.
علاقات قديمة
وثمة أقوال بأن القديس الإنجليزي جورج دفن فيما أصبحت الآن مدينة اللد في إسرائيل قرب تل أبيب. ومن المتوقع أن يزور وليام كاتدرائية القديس جورج في القدس ضمن مواقع دينية أخرى.
وفي القرن الثاني عشر، قاد ريتشارد الأول ملك انجلترا، والمعروف بريتشارد قلب الأسد، الحملة الصليبية الثالثة إلى الأراضي المقدسة، حيث قاتل زعيم المسلمين صلاح الدين. وتركت معاهدة سلام القدس تحت سيطرة المسلمين، لكنها سمحت للمسيحيين بدخولها.
وفي العصر الفيكتوري، اجتذبت الأراضي المقدسة العلماء والأثريين والمستكشفين ورسامي الخرائط والسياح والمبشرين البريطانيين. وصارت أهميتها لبريطانيا أكثر وضوحا بعد افتتاح قناة السويس في أواخر القرن التاسع عشر واكتشاف النفط في العراق، الذي كان يُضخ من الموصل إلى البحر المتوسط عبر حيفا.
ما سبب زيارة الأمير وليام؟
تأتي زيارة وليام بناء على طلب الحكومة البريطانية. وكانت السياسة البريطانية قبل الآن تقوم على عدم القيام بزيارة ملكية رسمية إلى أن يحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتأتي جولة وليام في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات دبلوماسية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وخطوة نقل السفارة إلى هناك. وقال جيسون ناوف مسؤول اتصالات الأمير إن الزيارة غير سياسية فيما يسمح «بإلقاء الضوء على أهل المنطقة.. ثقافاتهم وشبابهم وتطلعاتهم وتجاربهم».
ماذا ستشمل الزيارة؟
سيلتقي وليام برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وسيزور كذلك المواقع الدينية ونصب ياد فاشيم الإسرائيلي لضحايا المحرقة وقبر جدته الكبرى الأميرة أليس التي خبأت أسرة يهودية في مقر إقامتها في اليونان خلال الحرب العالمية الثانية وهي مدفونة في الحديقة الجسمانية.
وقام أعضاء آخرون في العائلة المالكة بزيارات غير رسمية. فقد حضر الأمير تشارلز، والد وليام، جنازتي السياسيين الإسرائيليين إسحق رابين وشمعون بيريس. وفي 1994 حضر الأمير فيليب، جد وليام، مراسم في ياد فاشيم لتأبين والدته الأميرة أليس.