يقترب رمضان من نهايته، نحن في اليوم الثامن بعد العشرين، وغداً الخميس قد يكون آخر أيام هذا الشهر الفضيل، الشهر المبارك، الذي كان خفيفاً وسريعاً وكأنه قد بدأ بالأمس فقط، بعضنا منى نفسه بأشياء كثيرة، قال إنه سيفعلها، ولم يتسن له الوقت، أخذته الدنيا بمشاغلها ومشاكلها، وبعضنا الآخر غافلته الأحداث فتتبعها حتى تنبه وهو يسمع دعاء ختم القرآن الكريم في الحرم المكي الشريف، وقد فاز من وجد الوقت ونظم الجهد وقسم الطاقة ما جعله مؤدياً للطاعات ومتمماً للعبادات.
بالنسبة لي لن أنكر أنني من الذين سرقهم الوقت، فقد كان رمضان حافلاً بالأخبار ومستجداتها، ونحن من الذين يحملون أقلامهم ليلحقوا بها، هنا رأي وهناك تفاعل، وفي مكان ثالث انتظار وترقب، وتمر الساعات، وتتداخل المواقيت، فنلحق بما نلحق، ويفوتنا ما يفوت، ونعزي النفس التواقة بأننا عندما نعمل نتقرب إلى الله، فالعمل عبادة، ومشاركة الناس في همومهم عبادة، وحمل ثقل قضايا أمة عبادة.
ومع ذلك نقول هنيئاً لكل الذين أعطوا رمضان حقه وأخذوا منه فضله، أولئك الذين يسرون الخاطر عند رؤيتهم وهم يطوفون حول الكعبة، معتمرين، زاهدين، تركوا كل شيء خلف ظهورهم وشدوا الرحال، عابدين، وطائفين، مكبرين وملبين وساعين، أو أولئك الذين يرابطون في جنبات الأقصى وحوله، يباركون ويتباركون، ولا يهز الغاصب شعرة من أبدانهم، فمن كان هناك يرتبط برب العزة بكل جوارحه، لا عقل ولا قلب ولا حواس تهتم ببشر حتى لو كانوا مدججين بالسلاح.
رمضان يحتضن الناس ولا يحتضنه الناس، هو شهر عمل وعطاء وخير وعبادة وطاعات، في مساجدنا المكتظة بالمصلين نرى رمضان، وفي خيام إفطار الصائمين المنتشرة في البلاد نشم رائحة رمضان، وفي عيون جندي يقاتل الذين خانوا العهود وانحرفوا بالدين نتلمس رمضان، ومع دعاء أم تنتظر عودة ابنها البطل نرفع الدعاء في رمضان، ومع كل قافلة إغاثة تصل إلى محتاج يكون رمضان، وفي كل مساعي الخير التي يسعى إليها قادتنا نجد رمضان.
فهذا شهر خيرات وبشارات، وأجمل البشارات أتتنا في العشر الأواخر من الشهر الكريم، وأولاها كانت «استراتيجية العزم» بين الإمارات والسعودية، والتي أكدت للجميع أن هذه الأمة بخير، ومن بعدها الانتصارات التي تتحقق في اليمن ضد المتلاعبين بأمن المنطقة، وآخرها الموقف الذي وقفته دولنا لحل أزمة الأردن.
هذا الشهر بكل ما يحمل في جنباته من خير يباركنا ونتبارك به، وإن تشاغلنا عنه أعادنا إليه بمعانيه الكبيرة.