من اي رحم خرجت الحضارة العربية الاسلامية ؟ من رحم الدين طبعا ، فالاسلام هو الذي حرك العقل العربي – بعد ان هذّبه من الخرافات والاوهام والشرك – لانتاج هذه الحضارة التي كانت انسانية بامتياز ، والاسلام هو «الاطار» الحضاري الذي جمع «الناس» المؤمنين من شتى الجنسيات والالوان والمعتقدات والاتجاهات للتدافع والتنافس والابداع والتلاقي على ارضية القيم والمبادىء والمصالح ، والاسلام -الدين والقيمة هو الباعث الاصيل الذي ولّد عند المؤمنين به الاحساس بالانتماء «الفكرة» والدوران حولها والتضحية من اجلها والدفاع عنها حتى الموت.
لا يوجد – بالطبع – اي دافع مصلحي او اخلاقي اقوى من دافع الدين ، ومصدر قوته انه الهي اولا ، ومقنع ثانيا ، وانساني ثالثا ، ويلبي حاجات الناس في علاقاتهم مع بعضهم وفي علاقتهم مع خالقهم ، كما ان مصدر قوته انه يرتبط بتوازن بين الدنيا والآخرة ، الحياة والموت ، القيمة والمصلحة ، الفرد والمجتمع ، الاخلاق والعادات ، الحاكم والمحكوم ، ولا يخضع لمقاييس البشر المتغيرة ، وانما يتواءم معها ويجيب على اسئلتها ويتجدد دائما بما يناسب حاجاتها وتطلعاتها ومشكلاتها.
قبل اربعة عشر قرنا استطاع الاسلام ان يوحّد “الامة” وان يستوعب اختلافات ويستثمرها طاقاتها ويمدّها بالقوة التي صنعت الحضارة والنهضة واستطاع ان ينتج اجيالا متكررة ، وزعامات مختلفة ، قادت الناس الى الحق واخرجتهم من اليأس والخوف واعادت للأمة حضورها كلما اهتزت الارض من تحتها او غابت عنها شمس الحضارة.
في كل وقت يبحث الناس عن «منقذ» ويجددون سؤال «الحيرة» ويتطلعون الى «قادم» ينقذهم مما هم فيه ، ولا يجدون سوى «الدين» لكي يطمئنهم على واقعهم ومستقبلهم ولا باعث سوى «الاسلام» ليعيد اليهم الامل من جديد.
لا تقل لي ان تديننا اليوم هو ما نقصده عند الحديث عن صلاح الامة بعودتها الى دينها، فالتدين صورة للدين وانعكاس لفهم الناس وتطبيقهم له، اما الدين فهو الاصل، والباعث، والثابت، والمقدس، والقادر على ضخّ الحياة من جديد في اجسادنا.. الدين الصحيح لا التدين المغشوش هو الذي نعنيه وندعونقلا عن صحيفة الدستور