لخصت في مقال الأمس الوضع الذي وصلت إليه أزمة قطر بعد عام من اندلاعها، وقلت إن هذا الوضع يثير تساؤلات مشروعة لا بد من طرحها.
وأهم هذه التساؤلات في تقديرنا هي على النحو التالي:
التساؤل الأول: هل صحيح أننا لسنا في حاجة إلى قطر كما قال البعض؟.
الجواب في تقديرنا هو: لا.
الذين يقولون هذا الكلام يقصدون أنه لا يلوح في الأفق حلٌ للأزمة، وأن الأمر لا يعني دول المقاطعة في شيء.
لكن القضية لا تطرح على هذا النحو. حين نتحدث عن قطر، يجب أن نفرِّق بين أمرين.. بين النظام القطري والموقف منه، وبين الشعب القطري وقطر كدولة عربية.
لا يعنينا أمر النظام القطري في حد ذاته، ولكن المؤكد أن أمر قطر كدولة عربية، وأمر الشعب القطري كشعب عربي يعنينا، ونحن بحاجة إليه.
أعني أن مصلحتنا في دول المقاطعة والمصلحة العربية العامة، تحتم علينا العمل بكل السبل على إعادة قطر لمحيطها العربي، وإعادة الروابط الوثيقة بين شعب قطر والشعوب العربية.
التساؤل الثاني: هل من الحكمة أو من المصلحة ترك الأزمة مفتوحة هكذا من دون حسم إلى ما لا نهاية؟.
الإجابة في تقديرنا هي: لا. هذا مع الاحترام لوجهة نظر البعض في دول المقاطعة الذين يرون أن الأزمة أصبحت تافهة، وأنه ليس من المهم أن تبقى هكذا لسنوات طويلة دون حسم.
سبق لي أن ناقشت هذه القضية أكثر من مرة. والأمر هنا أنه صحيح أن قطر هي الخاسر الأكبر من استمرار المقاطعة، لكننا نخسر أيضا. استمرار الأزمة هكذا سيكرس نتائج سياسية واجتماعية تتعلق بدول وشعوب مجلس التعاون غاية في السلبية.
كما أن استمرار الأزمة يفاقم الأخطار والتهديدات لأمن واستقرار دول المقاطعة. يكفي هنا الإشارة إلى الأخطار التي يمثلها تكريس الوجود العسكري الإيراني والتركي في قلب الخليج العربي.
التساؤل الثالث: هل توجد رؤية لمستقبل مجلس التعاون الخليجي في ظل استمرار الأزمة؟
الكل يعلم هنا أن مجلس التعاون أصيب بالشلل التام بعد تفجر الأزمة، والأسباب مفهومة ومبررة، وفي مقدمتها أنه من المستحيل أن تعمل مؤسسات المجلس بالشكل المعتاد في ظل وجود دولة تآمرت على دول بالمجلس وسعت إلى إسقاط نظم الحكم بها.
لكن السؤال: هل من المقبول أن يظل حال المجلس هكذا؟
لا نظن أن أحدا يريد أن يرى المجلس وقد أصبح هذا هو مصيره النهائي.
ما العمل إذن؟.. كيف سيتم التعامل مع هذه المعضلة الكبرى في ظل تصور أن الأزمة سوف تستمر لسنوات؟.
التساؤل الرابع: ماذا ستفعل دول المقاطعة في مواجهة الضغوط الأمريكية؟
الأمر المؤكد أن دول المقاطعة على حق تام حين تصر على أنه لا حل ولا إنهاء للأزمة من دون أن تستجيب قطر للمطالب المطروحة وتغير سياساتها ومواقفها فعلا.
لكن الواضح الآن كما ذكرنا أمس أن الإدارة الأمريكية لها رأي آخر تصر عليه، ويتلخص في أن دول المقاطعة يجب أن تبادر بإنهاء الأزمة في أسرع وقت، الأمر الذي يعني حتما أن تتنازل عن موقفها بهذا القدر أو ذاك.
ولو رضخت دول المقاطعة للضغوط الأمريكية وقبلت بمنطقها فستكون هذه كارثة. سيكون معنى هذا أن كل ما فعلته دول المقاطعة وما اتخذته من إجراءات ذهب هباء، ويبقى وضع قطر كما هو عليه دون أن تدفع أي ثمن.
فماذا ستفعل دول المقاطعة إذن في مواجهة هذا الموقف الأمريكي؟ وماذا سيكون موقفها من إصرار أمريكا على عقد قمة خليجية أمريكية في كامب ديفيد في سبتمبر القادم؟
هذه بعض التساؤلات التي نراها مهمة وتستحق التأمل والتفكير بعد مرور عام كامل على أزمة قطر.
ويبدو لنا على ضوء كل هذا أننا بحاجة إلى إدارة سياسية وإعلامية جديدة للأزمة بما يضمن حسمها في أسرع وقت ممكن وتجبر قطر على وقف نهجها التخريبي.