نون والقلم

نتنياهو يفتح معركة تهويد الأقصى

يتجه بنيامين نتنياهو نحو فتح معركة جديدة بعد انتهاء الملف النووي الإيراني، وساحة المعركة هي القدس المحتلة وبالتحديد المسجد الأقصى، في انسجام تام مع عدة حركات وجماعات يهودية إرهابية وضعت نصب أعينها منذ السبعينات هدف هدم المسجد وبناء الهيكل اليهودي مكانه.

وإزاء المقاومة السلمية التي تخوضها القدس دفاعاً عن المدينة ومقدساتها في وجه الحملة الاستيطانية المكثفة والاقتحامات المتواصلة لحرمة المسجد الأقصى اتخذت حكومة اليمين سلسلة إجراءات وسنت قوانين بهدف قمع الحراك الشعبي اليومي ضد إجراءات الاحتلال ومستوطنيه، ومنها تشديد العقوبات على راشقي الحجارة لتصل إلى عشرين سنة سجناً. وإبعاد المصلين المرابطين في المسجد وتقنين الدخول إلى الحرم القدسي، ونشر قوات إضافية في المدينة وإغلاق مصاطب العلم والدرس، والاعتقال الإداري الطويل للأطفال والشبان من دون تقديم لوائح اتهام، والهدف كسر شوكة المدافعين عن المسجد وإطلاق الجماعات اليهودية بداخله.
ولم تعد سلطات الاحتلال تواجه نقداً دولياً عندما تحرق السجاد وتدمر الأبواب ويقتحم جنودها حرمة المسجد ويطلقون قنابل الغاز والعيارات المطاطية ويعتدون على المصلين. فالوضع الحالي يمثل مرحلة ذهبية للاحتلال بسبب تردي الأحوال العربية وانتشار الحروب الأهلية والفتن بحيث تراجع الاهتمام الدولي بأحداث فلسطين. كما أن الوضع الفلسطيني يمر في أسوأ حالاته من حيث تعميق الانقسام وعدم القدرة على عقد جلسة للمجلس الوطني أو حتى التئام المؤتمر السابع لحركة فتح، بينما توجه حماس صواريخها الإعلامية نحو السلطة وتطالب الضفة بالرد على الاحتلال فيما هي تلهث للتفاوض وتحويل التهدئة إلى هدنة دائمة.
هناك العشرات من المنظمات الإرهابية اليهودية التي تنشط لهدم المسجد نشأت منذ السبعينات، من جمعية «أمناء جبل الهيكل» إلى «جماعة مملكة يهوذا» مروراً بأكثر من عشر جماعات أخرى لها هدف واحد وهو السيطرة على الحرم القدسي وبناء الهيكل بعد هدم المسجد، ولعل آخر جماعة وهي «مملكة يهوذا» هي الأكثر تطرفاً وربما لها علاقة بإحراق عائلة دوابشة في قرية دوما، وهي تحاول إقامة دولة للمستوطنين في الضفة وتقويض الدولة الصهيونية لأنها كافرة حسب اعتقادهم، ومن أهم مبادئهم هدم المسجد وطرد العرب وبناء الهيكل للتعجيل بظهور «المشياح» أو المسيح اليهودي «ملك إسرائيل». بينما تحرم جماعات أخرى الوصول إلى المسجد من دون ظهور المسيح الذي سيقوم ببناء الهيكل. لكن الحكومة «الإسرائيلية» لديها مخطط آخر تمت الموافقة عليه سراً وهو التقسيم المكاني والزماني للمسجد مثلما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل الذي فرض الاحتلال السيطرة عليه ويتحكم فيه، وقسمه إلى جزأين واحد للمسلمين وآخر لليهود حتى انتفى الطابع الإسلامي للمسجد. ولذا نلاحظ تسريع وتيرة الخطوات «الإسرائيلية» الأخيرة في إحكام السيطرة على المسجد ومنع الدخول والخروج إليه إلا بموافقة الاحتلال وتكثيف زيارات اليهود إلى تلك المنطقة تحت حماية شرطة الاحتلال التي تقوم عادة بإخراج المصلين والمعتكفين من المسجد قبل دخول أفواج المستوطنين.
عملياً يكرر نتنياهو ما سبق أن أقدم عليه وزير الحرب «الإسرائيلي» اسحق رابين في سنة 1986 عندما ثارت القدس ضد الاستيطان وأطلق سياسة القبضة الحديدية لكسر إرادة الصمود والمقاومة في المدينة، لكن النتيجة كانت أن انتشرت المقاومة والمظاهرات في جميع أنحاء الضفة وغزة رغم اعتقال الاحتلال للزعيم المقدسي فيصل الحسيني، وكانت تلك إرهاصات الانتفاضة الأولى التي أعادت طرح القضية الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي. وهناك من يقول الآن إن نتنياهو يريد الدفع باتجاه اندلاع انتفاضة ثالثة تتخذ طابعاً عنيفاً لاستدراج الفلسطينيين إلى ميدانه المفضل وهو المواجهة المسلحة للتغطية على سياسة التملص من المفاوضات والإفلات من الضغوط الدولية، فهو عملياً لا يملك أي نية تجاه السلام ولديه برنامج استيطاني فقط، وهو بالتالي يريد انتهاز اللحظة المريضة التي يعيشها العالم العربي لتنفيذ مخططاته الاستيطانية ولعل أبرزها قمع مقاومة أهل القدس وتتويج نفسه «ملكاً لإسرائيل» صاحب المبادرة لتقسيم المسجد الأقصى تمهيداً لبناء الهيكل لتوحيد أحزاب اليمين من حوله بعد شعوره بالعزلة الدولية.
لا أظن أن أحداً سيتحرك لنصرة الأقصى في الوضع العربي الحالي مع تراجع الاهتمام العربي به نظراً للفتن القائمة، فما بالنا بالاهتمام الدولي! بل إن الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه سياسياً وعضوياً لم يعد قابلاً للتحرك بل يمر في حالة من الوهن والهزال والمناكفة السياسية الفصائلية البغيضة لا سابق لها، ولا توجد أية استراتيجية لا فلسطينية ولا عربية لحماية المسجد ولا القدس، فعملية التهويد المستمرة تتكثف في غمرة الانشغال العربي بفتنه وحروبه وما كان الاحتلال يستصعب الإقدام عليه أو يتردد في فعله في السابق من اقتحامات للمسجد وتحطيم أبوابه وحرق سجاده وهدم المنازل والاستيلاء على بعضها الآخر في محيط المسجد وهو ما بات أمراً عادياً لا يثير حفيظة أحد وربما لا تصدر بشأنه أية بيانات استنكار.. فكيف سيرتدع الاحتلال ومستوطنوه إذا كان الوضع الإسلامي بهذا الهوان؟

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى