السوريون في دول جوار سوريا، امام واقع جديد، وهو واقع تتداخل فيه عدة عوامل، تؤثر على بقاء هؤلاء، في هذه الدول، او عودتهم، اضافة الى ما قد يستجد من عوامل خلال الفترة المقبلة.
حين تعلن الحكومة السورية، عن قرار يلزم كل سوري، خارج سوريا، ان يعود خلال شهر، لاثبات ملكيته العقارية، والا سوف يخسر هذه الملكية، وهو الامر الذي اعتبره الاردن ولبنان وتركيا، سيؤدي الى بقاء السوريين في هذه الدول فأن علينا توقع تغييرات ديموغرافية في سوريا، تؤدي الى تغيير الخارطة الاجتماعية -السكانية، بما يعنيه ذلك اقتصاديا ومذهبيا، وهكذا قرار هو قرار الرئيس فعليا.
اكثر من اربعة ملايين سوري، غادروا سوريا، الى دول الجوار، والى اوروبا، واغلب هؤلاء تركوا وثائق ملكياتهم في بيوتهم، التي تعرضت للهدم والحرق لاحقا، او حملوها معهم.
في حالات اخرى، باع بعضهم ممتلكاته لاحد جيرانه او معارفه، مقابل ورقة بيع غير موثقة رسميا، وفي المحصلة، فأن القرار السوري، سوف يؤدي الى امر واحد فقط ـ اي عدم عودة السوريين، الذين يتخوفون في الاساس من الوضع الامني في سوريا، ومن الوضع الاقتصادي، واحتمال محاسبتهم بسبب لجوءهم، هذا على افتراض ان هؤلاء يمتلكون ما يثبت ملكياتهم، فيما الذين لا يمتلكون اي وثائق، لن يعودوا في اغلب الاحوال لذات الاعتبارات التي اشير اليها، سابقا، اي الوضع الامني والاقتصادي.
برغم نفي الرئيس السوري، لهذه النتائج، وخروج مسؤولين سوريين للتصريح، لنفي الغايات، الا ان النتيجة سوف تتحقق في كل الاحوال، ولا احد يسأل عن توثيق الملكيات في الدوائر السورية الرسمية، الا اذا يريدون القول، ان التوثيق في هذه السجلات، لم يعد متوفرا، بسبب نهب السجلات، او حرقها، وعدم توافر نسخ الكترونية، وهذا يعني في المحصلة، عقاب جماعي لمئات الالاف ان لم يكن اكثر، ممن لهم ممتلكات عقارية في سوريا، وخصوصا، البيوت والشقق.
المشكلة الاخطر، وراء القرار، ليست تلك المتعلقة بالملكية، بل بالايحاء السياسي، وراء القرار، اي التسبب بخوف للاجئين، لمجرد انهم خرجوا من سوريا، حتى لو كانت وثائق ملكيتهم معهم، او لم يكن لهم اي ملكيات، لان الايحاء، هنا، يحمل عقوبة رسمية، تثبتها مدة الشهر القصيرة لاثبات الملكية، او مصادرة العقار، وهذه اشارة لن تشجع سورياً واحداً، على العودة، لانها تكشف عن موقف سلبي جدا، من دمشق الرسمية، بحق اللاجئين، باعتبارهم باعوا البلد والنظام، وتسببوا بموجة تشويه سمعة للنظام في العالم، هذا على الرغم من انهم فروا باعراضهم واطفالهم.
غالبية اللاجئين لم يتورطوا بأي نشاط امني او سياسي ضد النظام، وهم ايضا، يتفوقون من حيث الدلالة الايجابية، بمعنى ان من اختار اللجوء، اختار فعليا النجاة، وعدم التورط بمعركة مع النظام، وهو خير بكثير ممن بقي في الداخل السوري، وخاض معركة ضد النظام، وهذا منطق غائب عن دمشق الرسمية، وهي تعرفه جيدا، لكنها لا تريد تفعيله لاعتبارات كثيرة.
ما سنراه خلال الفترة المقبلة، هو بكل بساطة، اعادة رسم لخارطة الجغرافيا السكانية في سوريا، عبر اعادة الاعمار عبر شركات، او مساهمات محلية ودولية، وتوزيع المساكن، والعقارات او بيعها بطريقة تغير من الهوية الاجتماعية لمناطق كثيرة في سوريا، وللاسف يمكن ان يقال ان ما وراء القرار، الرغبة بالتخلص من ملايين السوريين السنة، ومنعهم من العودة، كما ان الوجه الاخر للقرار، هو تنزيل فواتير الازمة السورية من النظام، على دول جوار سوريا، ودول غربية، عبر توطين السوريين، بشكل شبه اجباري، وتحويلهم الى عبء امني واقتصادي، على الدول التي يراها النظام شريكة في الحرب ضده.
لا توجد دولة في العالم، تطالبك باثبات ملكيتك. المواطن هو الذي يطالب الدولة، بنسخة تثبت ملكيته، من سجلات الدولة. لكننا امام حالة واضحة، تؤكد ان الدولة ذاتها قد تكون اخفت سجلات الملكية او شطبتها، او تركتها لنهب العصابات، بما يعنيه ذلك، من افراغ لسوريا من سكانها، وانتاج سوريا جديدة، يتدفق اليها سكان جدد.