نون والقلم

د.محمد السعيد إدريس يكتب: واقع فلسطيني تضيء معالمه دماء الشهداء

أفسدت مليونية «مسيرة العودة الكبرى» والمواجهات الدامية التي وقعت بين الشعب الفلسطيني ومنظماته وبين قوات الاحتلال «الإسرائيلية» على مدى الأيام الماضية، على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما كان يأمله بقراره الانفرادي الذي تحدى به الشرعية الدولية والقانون الدولي واعترف بالقدس عاصمة لدويلة الاحتلال. لقد اعتقد ترامب أنه باعترافه بتهويد القدس ونقل سفارة بلاده إليها، سيدخل التاريخ من باب «التمجيد»، وإذا به يصدم باللعنات التي حملتها أرواح الشهداء التي صعدت إلى خالقها دفاعاً عن عروبة القدس، وبصرخات أمهات الشهداء والمصابين التي هزت أركان الأرض، معلنة تمسكها بقدسها ووطنها. لقد أربكت أحداث هذه المليونية حسابات إدارة ترامب وحكومة نتنياهو في جعل احتفال نقل السفارة أسطورياً وتاريخياً.

أخبار ذات صلة

كانت المقاطعة هي الرد، وخاصة المقاطعة الأوروبية، وكان قرار حكومة جنوب إفريقيا باستدعاء سفيرها اعتراضاً على نقل السفارة وعلى المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين في قطاع غزة رسالة بالغة المعاني بأن كل الحسابات قد تساقطت الواحدة تلو الأخرى مع كل رصاصة غدر انطلقت من أسلحة جنود الاحتلال صوب أبناء الشعب الفلسطيني الذين أكدوا للعالم أنهم باقون على أرضهم، وأن الأرض التي هي خلف السياج العازل هي أرض محتلة مغتصبة، وأن عودتها باتت أكيدة أمام كل هذا الإصرار على استردادها بتوارث بين الأجيال.

استطاعت أحداث المليونية تعكير صفو احتفالات واشنطن وتل أبيب بنقل السفارة، لكنها، وهذا هو الأهم، وضعت نهاية لأكذوبة مشروع التسوية، وأكذوبة «الوسيط الأمريكي» ولكل ما له علاقة ب «صفقة القرن»، وأعادت مجدداً الصراع إلى أصوله كما يعرفها «الإسرائيليون». فإذا كان «الإسرائيليون» يعتبرون أن الصراع الدائر على أرض فلسطين هو «صراع على الوجود» وأن هذه الأرض «لن تكون إلا لشعب واحد هو الشعب اليهودي»، فإن الشعب الفلسطيني أكد يوم الاثنين الدامي وما تلاه من أيام هو أن الصراع لن يكون صراعاً على حدود مختلف عليها بين دولة «إسرائيلية» موجودة بحكم القوة، وبين دولة فلسطينية مأمولة بحكم القرارات الدولية، ولكنه سيكون الصراع ذاته الذي يخوضه «الإسرائيليون» صراعاً على الأرض كلها، على كل فلسطين التي يجب أن تكون لشعبها الفلسطيني، وأن القدس لن تكون إلا عاصمة للدولة الفلسطينية.

دليلنا على ذلك هو ذلك الإصرار الذي يتولد في كل لحظة منذ قرر الفلسطينيون في 30 مارس/‏ آذار الماضي ومع إحيائهم ذكرى «يوم الأرض» على بدء مسيرة العودة إلى فلسطين. وما حدث منذ ذلك اليوم وما حدث يوم الاثنين الفائت ومازال يحدث يؤكد صلابة هذا الإصرار على إنضاج انتفاضة شعبية فلسطينية جديدة تعم الوطن الفلسطيني شبيهة بالانتفاضة الأولى.

وإذا ما انطلقت هذه الانتفاضة، فسيكون بإمكانها حتماً أن تخلق واقعاً جديداً «لن يكون بالإمكان وقفه لا بواسطة القناصة، ولا بواسطة قذائف الفيتو الأمريكي الدائم في مجلس الأمن» على حد تعبير مايا رونر في صحيفة «هآرتس الإسرائيلية». هذا الواقع الجديد، في حال حدوثه، سيكون في مقدوره إعادة فرض الملف الفلسطيني على الأجندة العربية والأجندة الإقليمية والأجندة الدولية، وسيعيد فرض «الخطر الإسرائيلي» كخطر أساسي ووحيد في تهديد الأمن والسلامة الإقليمية. عندها سيعود الحديث مجدداً عن السلام القائم على العدل الذي يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المغتصبة وعندها لن تكون هناك قيمة ل «فيتو» إدارة ترامب.

لقد استخدمت إدارة ترامب «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الأمن برفض تغيير الوضع في القدس، وكان يقصد رفض قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبعدها جاء القرار العالمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤيد لرفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لينسف «الفيتو» الأمريكي، ويوم الاثنين الماضي أجهض الفيتو الأمريكي مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل في جرائم «إسرائيل» على الحدود مع قطاع غزة، لكن لن يكون بمقدور الإدارة الأمريكية أن تتحدى إرادة الشعب الفلسطيني في التمسك بأرضه، ولن يكون في مقدور ترامب ممارسة المباهاة بالقوة واحتقار القانون الدولي والشرعية الدولية إذا استطاع الشعب الفلسطيني أن يثبت بقوته قدرته على استرداد حقوقه المغتصبة دون استجداء ودون البحث عن شركاء أو وساطات.

 نقلا عن صحيفة الخليج

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى