نبارك للجميع حلول شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي مازال ورغم تبدل الكثير من الأحوال محتفظاً بنكهته المميزة وطابعه الخاص، هذا الطابع والنكهة التي توارثناها وتناقلناها عبر الأجيال، وبتنا ننتظره من عام إلى عام وبمنتهى الشوق واللهفة.
لم تتغير أجواء هذا الشهر كثيراً رغم الصخب المتجدد سنوياً حول الإعلام وزحمة المسلسلات ومظاهر الابتعاد عن جوهر الصيام والشهر الفضيل، فمازال الناس يصومون ويحيون الليالي في المساجد ويتزاورون، ومازالت الموائد الرمضانية تتزين بتنوع أطباقها، ومازالت الأنشطة الدينية تمارس في هذا الشهر بكثافة كالمحاضرات التوعوية وحلقات الذكر والتلاوة، والمدهش هو أن أجواء الشهر لا تتأثر كثيراً بتغير وقت قدومه وحلوله صيفا أو شتاء!
لكل منا ذكرياته مع رمضان، قد تختلف بعض الشيء، ولكنني أزعم أنها متقاربة للغاية، فالشهر الكريم هو من يشكلنا وفقاً لأجوائه ويلزمنا بطقوسه، وشخصياً، فمائدة العائلة الكبيرة في بيتنا في العديلية لا يمكن نسيانها، وتوافد الأهل بشكل يومي تقريباً لبيت العائلة كان من المشاهد التي مازالت عالقة بالذهن، وقد ننسى بعض التفاصيل الصغيرة، لكن رائحة الأطباق المعدة أيامها وأصوات الأهل وضحكاتهم في حواراتهم حينها تساعدك على استرجاع أجمل ما في تلك الأيام ونقلها لأبنائك حكاية أو محاكاة!
تلك الموائد الجميلة تتجدد في رمضان كل عام، ولكن ما يتغير بشكل أساسي هي الوجوه التي تتحلق حول تلك الموائد، ولعلي وصلت إلى عمر يجعلني أدعي أن معظم من فتحت عيني على وجودهم الجميل من جيل الوالد الراحل ومن هم أكبر منه ما عادوا معنا اليوم، ولعل رمضان يكون مناسبة جميلة لتذكرهم واسترجاع تجاربنا معهم والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة.
هي أماكن خالية لأشخاص طيبين أثروا حياتنا بوجودهم، وتركوا فراغاً كبيراً برحيلهم، وتأتي مواسم معينة لتذكرنا بهم في ظل زحمة الحياة، فندرك أن حالنا يوماً ما ستكون مثل حالهم، فنترك ملعب الحياة لمن يأتي بعدنا ونرحل، وهو ما يدفعنا لعدم إضاعة أي فرصة لنكون مع من نحب لنصنع في نفوسهم ذكرى طيبة، ترسم على شفاههم ابتسامة عريضة كلما مر طيفنا ببالهم.
كل عام والجميع بخير…