محمد يوسف يكتب: السارق والمسروق
نقلت السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وقد تنتقل لاحقاً سفارات أخرى لدول أوروبية وأميركية لاتينية وآسيوية وإفريقية، فما الذي اختلف؟
مازالت فلسطين هي فلسطين، ومازال الاحتلال الإسرائيلي احتلالاً، ومازال الطريق طويلاً، هذه ليست النهاية، ولن تكون قرارات أحادية هي نقطة الحسم ما بين الحق التاريخي والادعاء الخرافي، وما لم يحققه وعد بلفور لن تحققه وعود أخرى.
السرقة لا تصنع واقعاً، والمسروق لا يصبح ملكاً للسارق وإن طال الدهر وتغيرت الملامح وزورت الأوراق، والقوة لم تطمس الحقوق في يوم من الأيام، وقد عايشنا أزماننا رأينا فيها كيف تتجمد الدبابات عند مطالب أهل المستعمرات، وكيف خرجت جيوش الدول الكبرى التي لا تقهر ولا تغيب عنها الشمس وهي منكسة الأعلام والرؤوس.
هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها أن الاحتلال أصبح أمراً واقعاً ويجب أن يكافأ، ويمنح صكاً من الذي كان يفترض فيه أن يكون قاضياً، فنزع القاضي رداء العدالة، وأمال الميزان ومزق كل الأدلة، وقبل بالتزوير سنداً يبني عليه حكماً.
لقد كانت أمام إسرائيل فرصة للعيش في أمن واستقرار، مدت لها الأيادي، ووقعت معها الاتفاقات، وقدمت لها المبادرات، فتحايلت على السلام بالاستيطان واغتصاب المقدسات، وفقدت الفرصة، وليس ما حدث يوم الأول من أمس إلا البداية، وقد أخطأ من ظن أن اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل هي نهاية المطاف، لا والله، إنها ليست إلا بداية مرحلة جديدة أشد وقعاً وأكثر ضرراً من كل المراحل السابقة، مرحلة ستشعل ناراً، ولن توفر أمناً، فالأيادي التي مدت سحبت، والاتفاقات أصبحت والعدم شيئاً واحداً، والخطوات تراجعت.
الحق ثابت، والأمر الواقع لا يغير الوقائع، ومن لا يقدر على استرجاع الحق اليوم سيصمت، حتى يظهر من كان قادراً على استرجاعه، فهذه القدس، هي التي سرقت اليوم بقرار خاطئ وتصرف لم يقدر حجم التداعيات على المنطقة والعالم، والقدس لا يملكها أحد، ولا يملك حق تحديد هويتها أحد، ولا يتنازل عن انتمائها أحد.