نون والقلم

عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب: انتخابات العراق.. صعوبة التجاوز

جرت في اليومين الماضيين انتخابات العراق التي ستحدد مستقبل العراق لأربع سنوات مقبلة ضمن مشهد عراقي وعربي، وإقليمي ودولي، يتغير بتسارع ويُعاد ترتيب القوى فيه بشكل كبير.

قبل أسبوعٍ تقريباً جرت الانتخابات اللبنانية، ولم تحظ بكثير اهتمام نظراً لحجم لبنان في المعادلات الإقليمية من جهة ونظراً لأن الصراعات هناك مستعصية لقيامها على حساباتٍ إيديولوجية وشخصية لدى العديد من القيادات والأحزاب، ولكن انتخابات العراق لها أهمية سياسية حقيقية لحجم العراق وقوة تأثيره والمراحل المتعددة التي مرّ بها بعد إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003.

العراق بلد الحضارات المتعاقبة منذ فجر التاريخ، وفي تاريخه المعاصر منذ الاستعمار إلى الملكية إلى الانقلابات العسكرية، من عبد الكريم قاسم والشيوعيين إلى صدام حسين و”البعثيين”، وصولاً إلى ما بعد 2003 والاكتساح الإيراني والتدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية بشكل شبه كاملٍ لعقدٍ ونيفٍ، ولكن المشهد العراقي لم يعد حكراً على النظام الإيراني، فقد جرى في الساقية أحداث أخرى منذ سنواتٍ قليلةٍ.

لقد أصبح المحور الفاعل اليوم في العالم العربي هو المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية بتحالف كامل مع الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين والعديد من الدول العربية التي ليس لها تأثيرٌ فاعلٌ في عراق اليوم، وهذا المحور يعمل منذ سنوات على إعادة العراق إلى صفه العربي وتمكينه من استعادة هويته وسيادته واستقلاله ورفض أي تدخلاتٍ في شأنه الداخلي من أي دولة خارجية.

مرّ عراق ما بعد صدام حسين بمراحل مهمة، كانت إحدى علاماتها الكبرى مرحلة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، والذي رأى أن يضع الدولة العراقية في مشروع النظام الإيراني، وانخرط في ذلك بشكلٍ علني، وقدم لهذا المشروع خدماتٍ جلّى مكنته من زرع الفتنة في الداخل العراقي، من القضاء على “الصحوات” السنية التي قضت على “تنظيم القاعدة” إلى تمكين “تنظيم داعش” من الحصول على ما يقارب ربع مساحة العراق والاستحواذ على أسلحةٍ أميركية متقدمةٍ بكمياتٍ هائلةٍ مكنته لسنواتٍ من أن يكون الشغل الشاغل للعراق وللمنطقة والعالم.

وكانت إحدى علاماتها الكبرى الفساد، بكل ما يعنيه من نهبٍ مستمرٍ ومنظم ومنهجي لثروات الدولة العراقية، التي كان يتمّ توزيعها بين دعم الاقتصاد الإيراني وبين الفاسدين من السياسيين العراقيين، مع علامةٍ أخرى لا تقل شأناً هي الاعتماد على الإرهاب والطائفية كمصيرٍ أوحد لا خيار للشعب العراقي في مواجهته.

وهذا جميعاً ما حذّرت منه المرجعية الشيعية العراقية ممثلة في السيد السيستاني قبل هذه الانتخابات، وهو الذي عانى كثيراً من تدخلات إيران السياسية في بلده، ومن انتشار ما سبق من مظاهر الفساد والإرهاب، ومحاولات إيران المستمرة على إخمال مرجعيته وربما تخويفها.

بغض النظر عن نتائج هذه الانتخابات وتفصيلاتها وتوازناتها، وطبيعة الظروف التي أنتجتها، وطبيعة التحالفات التي ستنتج عنها، وصولاً إلى الحكومة التي سيتم تشكيلها للسنوات الأربع القادمة فإن مستقبل العراق يجب أن يصبح في يد أبنائه ومواطنيه فحسب، مع الأخذ بالاعتبار الإجابة عن سؤال مهم هو مَن مِن الدول الإقليمية والدولية يقف مع العراق واستقلاله ومصالحه ومصالح مواطنيه؟

لا حلّ للعراق، وللدولة العراقية، وللمواطن العراقي إلا السعي القوي والصادق للعودة إلى الاستقلال الكامل، والسيادة الكاملة، بعيداً عن المشاريع التي تصطرع في المنطقة وتريد استغلاله واستغلال قضاياه من شرقه لشماله، والرفض الكامل لانتهاك سيادته واستقلاله.

أخيراً، فقد يكون تجاوز الماضي القريب أصعب بكثيرٍ من تجاوز الماضي القديم، وهو ما يجب أن يفكر فيه كل عراقيٍ يريد استعادة قيمته وتأثيره ودولته واستقلاله.

نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى