نون والقلم

د. محمد السعيد إدريس يكتب: تحديات ما بعد الانتخابات في العراق

تتركز الأنظار الآن صوب العراق ، حيث تجري الاستعدادات لبدء الانتخابات التشريعية غداً السبت (12 5 2018)، لأسباب كثيرة أولها: أن هذه الانتخابات تأتي في أعقاب الانتهاء من الحرب التي فرضت على العراق، كي ينتكس عن استعادة النهوض بعد التحرر، ولو جزئياً من أعباء الاحتلال الأمريكي.

فالحرب ضد الإرهاب «الداعشي» أكملت ما لم يستطع الاحتلال الأمريكي تحقيقه من تدمير للعراق، ليس فقط المباني والمنشآت، ولكن تدمير أسس التعايش المجتمعي، وتعميق الانكسار الطائفي في هذا المجتمع. الآن العراق يدخل مرحلة ما بعد الحرب على «داعش»، والواجب أن يكون الهدف الأسمى هو إعادة لملمة فتات البنية الاجتماعية الثقافية، ولنقل الحضارية للمجتمع والدولة في العراق، كي يبدأ البناء الاقتصادي والسياسي على أسس متينة.

السبب الثاني الذي يزيد من أهمية هذه الانتخابات، هو كثافة «الصراع الاستقطابي» حول العراق. فالصراع المتفجر في سوريا وامتداداته الإقليمية، والاحتمالات الغامضة لهذا الصراع في ظل دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لدخول قوات عربية لتقاتل في سوريا بدلاً من القوات الأمريكية، وخطر المواجهة الأمريكية الإيرانية، بعد تفاقم أزمة الاتفاق النووي الموقع مع إيران، كلها صراعات تضع العراق للمرة الثانية أو الثالثة، في مهب رياح شديدة السخونة، قد يكون في مقدورها أن تعصف بما تبقى من الحد الأدنى من آمال إعادة بناء العراق.

أما السبب الثالث فيعود إلى نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية. هذه النتائج من شأنها أن تزيد من خطر الصراع حول العراق. فالنتائج أظهرت فوز تكتل «حزب الله» وحلفائه وشركائه بأكثر من نصف مقاعد البرلمان، وخسارة تيار المستقبل، الذي يقوده رئيس الحكومة سعد الحريري حوالي ثلث مقاعده؛ إذ لم يحصل إلا على 21 مقعداً.

كان المتصور أن تكون الانتخابات اللبنانية أكثر توازناً في نتائجها بين القوى الموالية لإيران، والقوى الأخرى المنافسة ذات الارتباط بأطراف عربية، اعتقاداً بوجود قدر ما من توازن القوى (السياسية والاقتصادية)، لكن نتائج الانتخابات اللبنانية جاءت عكس ذلك؛ ما يزيد من صعوبة المراهنة على نتائج الانتخابات العراقية.

فتحليل التفاعل العربي والإيراني على مدى الأشهر الماضية، مع الانتخابات العراقية التي ستجرى غداً، يكشف عن حقيقتين بارزتين؛ الأولى هي نوع من الاستسلام العربي أو الفتور العربي نحو الانتخابات العراقية، على العكس من الموقف الإيراني من هذه الانتخابات، حيث تكاد إيران أن تقاتل، سياسياً وإعلامياً ومالياً، لإنجاح القوى الموالية لها داخل العراق لكسب الانتخابات، باعتبار أن العراق يمثل «حديقة خلفية» للأمن والمصالح القومية وللمشروع الإقليمي لإيران في الشرق الأوسط.

هذه الأهمية تزداد صعوداً في ظل كثافة التهديدات التي تواجه إيران الآن على ثلاث جبهات: الجبهة السورية، وجبهة الملف النووي، والأهم الجبهة الداخلية الإيرانية، التي شهدت مؤخراً انتفاضة كبرى كشفت عن أن الصراع مع إيران بات في العمق الإيراني.

أما الحقيقة الثانية، فهي غياب التنافس العربي مع إيران في العراق، فالتنافس، وربما الصراع الحقيقي هو بين الولايات المتحدة وإيران داخل العراق، حول من يمتلك أكثر من الآخر أوراقاً تتحكم في تسيير القرار العراقي.

وإذا كان الدور العربي والنفوذ العربي أضحى غائبين، أو فلنقل باهتين، في العراق، فإن الدور والنفوذ التركي ليسا أفضل حالاً، إما لانغماس تركيا المتزايد في سوريا، أو لغياب التنسيق العربي التركي، بسبب ما يحدث الآن من افتراق عربي تركي في ملفات كثيرة، وبالذات بعد التحالف التركي مع قطر، في صراعها مع الدول العربية الأربع؛ السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

في ظل هذه الظروف يحتدم التنافس الانتخابي في العراق، وإذا كانت النتائج ستكون في صالح التحالفات الانتخابية والقوى السياسية الحليفة أو الصديقة لإيران، فإن الفائزين سيواجهون بثلاثة تحديات كبرى، من شأنها أن تعرقل أي طموح حقيقي للنهوض بالمستقبل العراقي، وبالذات في الاتجاه الذي يخدم مسعى بناء «عراق متجاوز للطائفية السياسية»، وقادر على بناء مشروع وطني جامع، على أساس المواطنة السياسية وليس على أساس الانتماء الطائفي أو العرقي.

التحدي الأول، هو الدور المتصاعد لمنظمات «الحشد الشعبي» في العملية السياسية بدخولها معترك التنافس الانتخابي. إيران تراهن على التغيير المحتمل في تكوين «الطبقة السياسية الحاكمة» في العراق، بدخول «الحشد الشعبي» كطرف سياسي قوي، وربما منافس في حكم العراق.

التحدي الثاني هو صعوبة الطموح لكسر قاعدة «المحاصصة السياسية» التي هي أساس الطموح إلى النهوض بالعراق، على ضوء احتمالات فوز الكتل الأشد طائفية، والأشد اقتراباً من إيران. أما التحدي الثالث فيتعلق بصعوبة مهمة حيدر العبادي إذا فاز برئاسة الحكومة في الحد من نفوذ كل من إيران والولايات المتحدة في العراق، أو حتى الموازنة بينهما في ظل تصاعد المواجهة الآن بين واشنطن وطهران.

تحديات صعبة وانتخابات أصعب، من شأنها تحديد ملامح العراق في السنوات القادمة.

 نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى