في مطلع يوليو/تموز من العام الماضي (2017) اتفق «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» على الدخول في تحالف ثنائي في الانتخابات النيابية والرئاسية المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
كان من المستغرب أن يحصل مثل هذا التحالف قبل أكثر من سنتين من حصول تلك الانتخابات. ففي هذه المدة الطويلة جداً يخلق الله ما لا تعلمون. وقد تفاوتت التفاسير في أسباب ذلك التحالف المبكر، وذهب البعض إلى أن الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان والمرشح لرئاسة الجمهورية كان يريد أن يطمئن حينها إلى تأييد «حزب الحركة القومية» له حتى لا تأخذ رياح المفاجآت الانتخابات في اتجاهات أخرى. وقد تغلغل الخوف بعد نتائج استفتاء 16 إبريل/نيسان 2017 على تعديل الدستور عندما نجح التعديل بنسبة قليلة جداً وهي أقل من 51 في المئة مقابل أكثر من 49 في المئة للرافضين لتعديل الدستور. علماً أن شبهات كثيرة ظهرت حول قانونية تصويت أكثر من مليوني شخص في مغلفات غير مختومة رسمياً.
يعم الخوف «حزب العدالة والتنمية» عندما نعلم أنه نال في الانتخابات النيابية الأخيرة 49 في المئة من الأصوات، وأن «حزب الحركة القومية» نال حوالي 13 في المئة. أي أن مجموع الأصوات التي كان يفترض أن يحوزها مؤيدو الاستفتاء هو 62 في المئة. مع ذلك فإن المفاجأة كانت في حصول الاستفتاء فقط على حوالي 52 في المئة.
السبب الأساسي كان في انقسام «حزب الحركة القومية» كما في اعتراض بعض قواعد «حزب العدالة والتنمية» على الاستفتاء؛ فالتعديلات الدستورية كانت تهدف إلى تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي، وبالتالي حصر السلطات والصلاحيات عملياً وقانونياً بيد رئيس الجمهورية ليتحول إلى «حاكم مطلق».
انقسام «حزب الحركة القومية» أثار القلق من انهيار «حزب العدالة والتنمية» وتحوله إلى المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية؛ لذلك سارع الرئيس التركي حتى لا ينهار «حزب الحركة القومية» إلى الاتفاق مع خصمه السابق رئيس الحزب دولت باهتشلي، وتقديم تنازلات له بالاتفاق معه انتخابياً فيضمن «حزب الحركة القومية» بذلك دخوله في البرلمان، وهو الذي كان محل شك كبير في إمكانية حصوله على نسبة العشرة في المئة، وبالتالي عدم دخوله البرلمان.في المقابل فإن باهتشلي أعلن تأييده لأردوغان كمرشح لرئاسة الجمهورية.
وفي ظل التحسب لتراجع شعبية «حزب العدالة والتنمية» ولو بنقطتين أو أكثر وفي ظل انقسام «حزب الحركة القومية» على الأقل إلى نصف ما كان يناله من أصوات فإن حاجة «حزب العدالة» لمثل هذا التحالف كانت كبيرة؛ لضمان تجاوز نسبة الخمسين في المئة للنجاح في انتخابات رئاسة الجمهورية.
إعلان أردوغان، يوم الأربعاء 18 إبريل/نيسان الجاري، أن انتخابات مبكرة رئاسية ونيابية ستجري في 24 يونيو/حزيران المقبل، أي قبل سنة وأربعة أشهر من موعدها الأصلي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 يكشف عن السبب الأساسي لإعلان تحالف أردوغان- باهتشلي المبكر في يوليو/تموز الماضي وهو أنهما كان يضمران أن يكون حزباهما جاهزين لانتخابات رئاسية ونيابية مبكرة.
الإعلان عن انتخابات نيابية مبكرة كان محاولة للقبض على المعارضة في لحظة لا تكون فيها جاهزة كما يجب للانتخابات؛ إذ إن إجراء الانتخابات المبكرة لا يحصل خلال شهرين ولا في أي بلد في العالم، خصوصاً إذا كانت نيابية تحتاج إلى البرامج واختيار المرشحين وحملات انتخابية وتحضير الناس نفسياً لمرحلة الانتخابات. تحديد المدة بشهرين فقط للانتخابات هو أقرب إلى أن تكون انتخابات تحت الضغط من أي شيء آخر؛ بل أكثر من ذلك فإن تحديد 24 يونيو/حزيران هو لمنع الكتلة التي انفصلت عن «حزب الحركة القومية» وأسست حزباً اسمه «الحزب الجيّد» بزعامة ميرال أقشينير، باعتبار أن الحزب لا كتلة نيابية وازنة له، ولم يمض على تشكيل كوادره المناطقية ستة أشهر. وهو كان سيكمل مدة الستة أشهر أي في 27 يونيو/حزيران المقبل أي بعد 3 أيام فقط من موعد الانتخابات الجديد؛ لكن اللعبة فشلت ونجحت المعارضة في توفير انتقال 15 نائباً من «حزب الشعب الجمهوري» إلى «الحزب الجيّد» فكان قرار اللجنة العليا للانتخابات السماح ل«الحزب الجيّد» بالمشاركة في الانتخابات.
يحتاج كل طرف ولا سيما في الانتخابات الرئاسية إلى كل نقطة؛ لذلك فإن المعركة الرئاسية تحديداً ستكون هي موضع الأنظار وقد تحسم نتائجها نقطة من هنا أو من هناك؛ لكن ما فرص نجاح أو احتمالات فشل كل طرف؟