عامل الرئيس الأميركي بأسلوب مغاير مع القضية الفلسطينية، تسرّع واتخذ قراراً قد يكلّف الولايات المتحدة والعالم الكثير، رغم أنه يعلم أن هذه القضية أكثر تعقيداً من قضية كوريا الشمالية، وأشد خطورة على السلم الدولي.
كرر ترامب خطأ الإنجليزي بلفور، فمنح ما لا يملك إلى مَنْ لا يستحق، وقد أصرّ وفي أكثر من مناسبة على موقفه باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتجاوز في تقاريره اللاحقة لذلك القرار مسألة الاحتلال، وأصبح يشير إلى الضفة الغربية وغزة دون ذكرٍ لحقوق مَنْ فيها أو معاناتهم.
واعتقد الرئيس ترامب أنه قادر على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمثل هذا القرار، مستغلاً مرحلة التمزق والتشتت التي تشهدها البلاد العربية بعد ربيع الدمار وحروبه، وحالة الضعف التي وصلت إليها السلطة الفلسطينية بعد عقدين من تحييد أدواتها التي منحتها حق الوجود، إضافة إلى ترك هامش التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة مفتوحاً، معتقداً أن حاجة بعض الدول لدعمه ومساندته ستنسيها القدس وفلسطين، وهي فرصة مهيأة لنتنياهو والمستوطنين لابتلاع ما تبقى من أرضٍ للفلسطينيين، وفرض واقع لا يمكن تغييره، ولهذا رددوا كلمة «صفقة القرن» التي تعني شيئاً عند الأميركان، وشيئاً آخر عند العرب، وفي الحالتين لا تبشر بالخير، بل تقود إلى مستقبل مظلم، وأعود وأكرر، للعالم كله وليس الولايات المتحدة أو المنطقة فقط، فالبلاد العربية والإسلامية قد تختلف، وقد تتناحر، لكنها عند القدس تقف موقفاً واحداً، ليس حباً في القدس فقط، ولكن خوفاً منها، فهي الأرض التي لا تقبل المساومة؛ لأن أحداً من البشر لا يملكها، أياً كان منصبه أو لقبه، ولا يملك رئيس الولايات المتحدة حق وهبها لليهود أو غيرهم، فإذا كان ترامب تجرّأ واعتبرها عاصمة الدولة اليهودية، فإن غيره لا يملك تلك الجرأة، وبالتأكيد لا أقصد دول الغرب أو الشرق، بل أقصد بلاد العرب والمسلمين ومن يتبعون عيسى وموسى بحق.
أخطأ ترامب، فهذا القرار سيفتح أبواب الجحيم في العالم كله، وسينتج نسخاً من «القاعدة» و«داعش»، وينشر الفوضى والرعب، وكان يُفترض أن يكون العقل حاضراً في قضية القدس، وأن تلتزم الدولة العظمى بحل الدولتين الذي توافقت عليه دول العالم، لا أن تغذي النار بمزيدٍ من الحطب، لتولد إرهاباً جديداً لم نصدق أننا كدنا أن نقضي عليه.