الكل يعلم أنه منذ أن تفجرت أزمة قطر، أصبح مجلس التعاون الخليجي مجمدا وفي حالة شلل شبه تام.
سبق أن ناقشت هذه القضية في تحليل مطول قبل فترة، لكن ثمة أمرين، أو بالأحرى تطورين في الفترة الماضية يرتبطان بالمجلس يجب أن نتوقف عندهما مليا.
الأمر الأول: انه في الفترة الماضية، أصبح ما يسمى «وحدة مجلس التعاون» وضرورتها الملحة شعارا ترفعه الإدارة الأمريكية وتردده في كل مناسبة.
أركان الإدارة الأمريكية يرفعون هذا الشعار في معرض إلحاحهم على ضرورة إنهاء أزمة قطر ووضع حد لها حفاظا على «وحدة مجلس التعاون» من أجل مواجهة التحديات الأخرى في المنطقة، وخصوصا الخطر الإيراني.
كما سبق أن كتبت، هذا الكلام الأمريكي هو من نوع الحق الذي يراد به باطل. بمعنى أن وحدة مجلس التعاون هو في حد ذاته شعار جميل نحن أول من نتمناه، لكن الذي يريده الأمريكيون من ورائه أمر آخر. هم يريدون من دول مجلس التعاون المقاطعة لقطر، أي البحرين والسعودية والامارات، ان تغلق ملف قطر وتنسى كل ما فعلته من أجل «وحدة المجلس».
وقد فهمنا من التقارير المنشورة أن إدارة ترامب بدأت تمارس ضغوطا على دول المجلس المقاطعة في هذ الاتجاه. أي تمارس ضغوطا من أجل غض النظر عن قطر وكل ما فعلته، وان تنهي الأزمة في أسرع وقت ممكن.
الأمر الثاني: من واقع متابعاتي الدائمة لما تنشره مراكز الأبحاث في الغرب من تقارير وتحليلات، لاحظت أن الحسابات الاستراتيجية الغربية أصبحت مبنية على أساس أن مجلس التعاون الخليجي مات وانتهى أمره إلى غير رجعة بعد ان تفجرت أزمة قطر.
اعني بالطبع الحسابات الاستراتيجية الغربية كما تعبر عنها مراكز الأبحاث هذه.
المشكلة ليست ان يكون هذا رأيهم أو تقديرهم. هذا ليس مهما في حد ذاته.
المهم أنهم يرتبون على هذه النتيجة التي يؤكدونها، أي افتراض ان مجلس التعاون مات وانتهى أمره، أفكارا ومخططات خطيرة تتعلق بمستقبل المنطقة.
في الغرب، هناك جدل واسع جدا حاليا عنوانه الرئيسي «مرحلة ما بعد مجلس التعاون»، وهم في هذا الإطار يطرحون تصورات كثيرة خطيرة من وجهة نظرهم، سنعود إلى مناقشتها تفصيليا لاحقا.
الذي نريد ان نقوله انه ليس من المصلحة ان يبقى مصير مجلس التعاون معلقا هكذا، بل هو أمر من الخطورة بمكان. مصير المجلس ومستقبله يجب أن يحسم في اسرع وقت ممكن.
هناك إجماع من الكل في دول المجلس ولدى شعوبه على أن المجلس يجب أن يبقى. ليس هذا فحسب، بل إن المجلس يجب أن ينتقل إلى مرحلة جديدة من الفعالية والقوة والتأثير، على أسس جديدة بناء على دروس الأزمة الأخيرة.
مجلس التعاون بإنجازاته التي حققها يعتبر، ورغم كل ما قيل عن سلبياته وأوجه قصوره، هو مكسب تاريخي هائل خليجيا وعربيا، ويجب الحفاظ عليه وعلى تقويته.
المجلس اليوم للأسف في حالة موت سريري. هذه حالة يجب أن تنتهي فورا. الكل يجب أن يقدم تصوراته لكيفية إنهاء هذه الحالة، ولإعادة بناء المجلس على أسس أكثر قوة.
القضية ليست فقط أن إحياء المجلس وتقويته وإنهاء حالته هذه ضرورة خليجية عربية، لكنها أمر أساسي لقطع الطريق على مخططات خطيرة لمستقبل المنطقة.