أعلن الاتحاد الأوروبي اعتزامه نشر أسطول لمكافحة تهريب البشر في البحر الأبيض المتوسط، وأفاد مجلس الاتحاد الأوروبي في بيان، أن فرق الأسطول ستكون مخولة بأمور مثل تفتيش السفن، والمصادرة، في البحر الأبيض، لافتاً إلى أن عمله في المرحلة الأولى سيقتصر على المياه الدولية.
ومن المنتظر أن تشمل مهمة الأسطول الذي أسسه الاتحاد في يونيو/حزيران الماضي، على خلفية كوارث غرق اللاجئين، القيام بعمليات ضد مهربي البشر في المياه الإقليمية لليبيا لاحقاً عقب المرحلة الحالية.
وبحسب معطيات منظمة الهجرة الدولية، بلغ عدد طالبي اللجوء الذين وصلوا أوروبا عبر البحر الأبيض 430 ألف شخص، منذ مطلع العام الحالي، 310 آلاف منهم إلى اليونان، و110 آلاف إلى إيطاليا.
وقد أظهرت الأزمة دول الاتحاد الأوروبي عاجزةً أمام أكبر تحدٍ واجهها منذ تسعينيات القرن الماضي، إبان حرب البلقان وتفكك ما كان يعرف بيوغسلافيا السابقة، في ذلك الحين، وجدت الدول الأوروبية نفسها أمام موجات بشرية هائلة تخترق حدود بلدانها التي لم تكن بعد قد انخرطت في نظام الحدود المفتوحة، وها هي اليوم تواجه أزمة إنسانية أكثر تعقيداً، حيث يشكل اللاجئون السوريون الغالبية العظمى من اللاجئين الوافدين إلى البلدان الأوروبية.
– بداية أزمة اللاجئين
التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الصمت أمام ما يتعرض له السوريون على عتبة القارة من جرائم ضد الإنسانية منذ سنوات، وبدت مواقفها خجولة أمام هول الكارثة، إذ تجاوز النظام السوري الخطوط الحمراء التي حددها المجتمع الدولي شرطاً لإجراء تحرك ملموس تجاه الأزمة السورية، واكتفى بالإدانات والمؤتمرات التي ظلت حبراً على ورق.
ومع تزايد أعداد اللاجئين الغارقين في البحر، خلال محاولتهم الوصول إلى شواطئ القارة الأوروبية، عبر البحر الأبيض المتوسط، قررت دول الاتحاد الأوروبي أن تجعل من شواطئ دولها الجنوبية كاليونان وإيطاليا، حصناً منيعاً أمام تدفق اللاجئين، حيث قامت بنشر السفن الحربية على امتداد المياه الإقليمية والدولية، ووضعت سواحلها تحت الرقابة المشددة؛ بغية وقف ما أطلقت عليه “الهجرة غير الشرعية”.
– لائحة “دبلن” للجوء في أوروبا
ظل ما يعرف بلائحة “دبلن”، نسبة للاتفاقية التي وقع عليها أعضاء الاتحاد الأوروبي في العاصمة الإيرلندية دبلن؛ لتنظيم قوانين اللجوء داخل دول الاتحاد، سيفاً مسلطاً على مصير اللاجئين داخل القارة الأوروبية، إذ تنص تلك اللائحة على إلزام اللاجئ بتقديم طلب للجوء الإنساني أو السياسي إلى أول دولة من دول الاتحاد الأوروبي يصل إليها، وفي حال لجوئه إلى دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي، يحق لتلك الدولة إرجاع اللاجئ إلى الدولة التي تقدم إليها بطلب اللجوء أول مرة، وحصلت على بصمته.
ومع تزايد أعداد اللاجئين القادمين من دول الشرق الأوسط، وتدفقهم نحو دول مثل إيطاليا واليونان والمجر، لا يتوفر فيها الحد الأدنى من البنى التحتية لاستقبال اللاجئين، وتنعدم فيها أدنى حقوق اللاجئ من الحماية والعيش الكريم، قررت دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد أن تخفف من التزامها بلائحة “دبلن”، وإجراء بعض الاستثناءات الخاصة باللاجئين السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا، وهو ما جعلها مقصداً رئيسياً لعشرات الآلاف منهم.
لم يكد يتلاشى مشهد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من الأذهان، وهي تخبر طفلة فلسطينية لجأت إلى ألمانيا مع ذويها، بأنه سيتم طردهم من البلاد؛ بعد رفض طلب لجوئهم، حيث أثارت دموع تلك الطفلة سخط المجتمع الألماني أمام لامبالاة المستشارة الألمانية، وأشعلت الجدل حول غياب الجانب الإنساني خلال معالجة حكومتهم لملف أزمة اللاجئين، حتى توالت مشاهد جثث اللاجئين العابرين للحدود نحو النمسا وألمانيا.
-تحول الموقف الرسمي والشعبي
قصمت حادثة اكتشاف 71 جثة من اللاجئين السوريين والعراقيين، لقوا حتفهم خلال محاولة تهريبهم من المجر إلى ألمانيا عبر الأراضي النمساوية، في شاحنة مخصصة لنقل اللحوم، ظهر الجهود الأوروبية الرامية إلى إنشاء مناطق عزل وتجمعات للاجئين الوافدين إلى أوروبا، وشكّل إعلان المجر بعد الحادث عزمها إنشاء سياج عازل على طول حدودها مع صربيا، نقطة تحول في السياسة الأوروبية تجاه أزمة تدفق اللاجئين.
وأمام موجة عارمة من تعاطف الشعوب الأوروبية مع اللاجئين، شهدت النقاشات بين الزعماء الأوربيين تحولاً جذرياً، انصب في مجمله حول كيفية وصول اللاجئين إلى وجهاتهم، وسبل توزيعهم بين البلدان الأوروبية توزيعاً عادلاً.
النمسا هي أحد أكثر البلدان الأوروبية تحفظاً على استقبال اللاجئين، وأكثرها صرامة أمام تدفق اللاجئين عبر أراضيها. لكنها شهدت مظاهرات غير مسبوقة لآلاف المتظاهرين النمساويين، طالبوا خلالها سلطات بلادهم بإفساح المجال أمام وصول اللاجئين إلى النمسا، وتوفير حياة كريمة لهم.
وتدفق المئات من الناشطين والمواطنين إلى محطة القطارات الرئيسية في العاصمة فيينا “فيست بانهوف”؛ لاستقبال القطارات المحملة باللاجئين، وذلك بعد سماح السلطات المجرية لهم بمواصلة طريقهم نحو النمسا وألمانيا، قبل أن تعاود منع الآلاف من اللاجئين العالقين في محطة القطارات في بودابست من التوجه إلى النمسا وألمانيا، واقتياد العشرات منهم نحو مراكز اللجوء بالقوة.
حادثة غرق الطفل السوري “إيلان الكردي” قبالة السواحل التركية، ضربت الإنسانية في مقتل، ووضعت الدول الأوروبية أمام استحقاق أخلاقي وإنساني لا مفر منه، وفي ظل أزمة إنسانية خانقة للاجئين السورييين والفلسطينيين القادمين من المخيمات المدمرة في سوريا والعراق، بدا الحديث عن تكلفة استقبال اللاجئين في البلدان الأوروبية، وعن مدى استعداد تلك الدول لتبعات فتح أراضيها أمام اللاجئين، حديثاً غير ذي جدوى.
الأحزاب والشخصيات الرسمية والوزراء في دول كالنمسا وألمانيا والسويد وفرنسا، أظهرت تحولاً واضحاً في مواقفها إزاء أزمة اللاجئين، وشكل التعاطف الشعبي والاستقبال الذي حظي به اللاجئون في الأسبوعين الماضيين في كل من ألمانيا والنمسا، صفعة للحركات اليمينية المتطرفة، التي تصدرت المشهد في بداية هذا العام لمنع وصول مزيد من اللاجئين، وذهبت دعواتهم وخطاباتهم العنصرية أدراج الرياح أمام تحرك الضمير الإنساني للمجتمعات الأوروبية.
وفي بريطانيا، حاصرت رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، الضغوط الرسمية والشعبية؛ من أجل استقبال الآلاف من اللاجئين السوريين، حيث تعد بريطانيا أقل البلدان الأوروبية استقبالاً للاجئين السوريين، إذ لم تتجاوز أعدادهم سوى 220 لاجئاً خلال العام الماضي.