كلهم يضحكون علينا، كبيرهم وصغيرهم، دولهم ومنظماتهم، رؤساؤهم ووزراء خارجيتهم، وللأسف نحن نصدق الكذاب رغم علمنا بكذبه، ونبرئ القاتل والدماء تقطر من يده.
يقولون إن وفداً من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ذهب يوم أمس إلى دوما، فيطلق الروسي طبوله ليصم آذاننا، يريد أن يؤكد نزاهته، فهو مهندس تدمير كل الغوطة والضواحي الدمشقية، وصاحب السلاح الإنساني، سريع القتل، أقصد القتل الرحيم، دون تشويه أو آلام، وذاك الفرنسي الذي يخشى أن تكون الأدلة قد اختفت من موقع الجريمة، رغم إنه متأكد بأن كل الآثار قد أزيلت.
ولن تجد بعثة المنظمة الدولية غازاً معلقاً في الهواء انتظاراً لأجهزتها الدقيقة التي وصلت بعد عشرة أيام، ولن يشم مراقبوها غير رائحة العطور والبخور والورد، فقد يرى هؤلاء ورداً على شرفات البيوت المهدمة، ويجدون أطفالاً منشغلين بألعابهم في الشوارع، وهي نفس الشوارع التي قيل إن غازاً ساماً قتل أطفالها، وقد أقسم «لافروف» بأن قواته لم تعبث بالأدلة!!
كل واحد منهم يروي رواية، وكل رواية كاذبة، والحقيقة لا تحتاج إلى «بعثة شم»، بل إلى موقف حازم، فالذي يستخدم السم يعرف نوع «الترياق» الذي يزيل آثاره، فهو صاحب الداء والدواء، وأهل العلم أدرى منا، وهم يعرفون جيداً أن الغازات ليست أكثر من أثير يقتل من يستنشقه مع الهواء، ويطير بعد دقائق مع الهواء أيضاً.
ولهذا منعت روسيا قرار مجلس الأمن الملزم بدخول بعثة المنظمة الدولية بعد يومين من استخدام الكيماوي، وعرقلت مع نظام الأسد عمل المنقذين، وبعد السيطرة التامة، وترحيل الذين يقال إنهم إرهابيون إلى المنتجعات الشرقية، وبعد أن أعدت الساحة بسكان بدلاء، واستبعد الأطباء من المستشفيات، ونقل المرضى، وحل مكانهم ممثلون ملقنون، أقول لكم، بعد كل ذلك ذهبت بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حتى تبرئ القتلة.
كم هي قذرة ألاعيب الكبار، وكم هم مساكين أولئك الذين وضعتهم الظروف في مرمى الأطماع الدولية والإقليمية، قرابين تقدم مجاناً حتى يثبت أحدهم أنه قوي، والآخر يحصي منافعه وهو يعد أرقام من ذهبوا ضحية لصراعات لا تعنيهم، ونحن نصدق أن بوتين بريء، وأن ترامب دمر الكيماوي!!