أعتقد أن درس الظهران لن يمحى من ذاكرة «المعزول»، وقد يكون نقطة فارقة لو كان يفكر ويتدبر.
نحن سائرون إلى الأمام، ولن نلتفت إلى الوراء، ومن أراد أن يلحق بالركب عليه أن يهرول حتى تنقطع أنفاسه، علّه يتدارك الجماعة ولا تلتهمه الوحوش.
قالها الأمير محمد بن سلمان قبل أشهر، وها هي مقولته تترجم على أرض الواقع: «قضية قطر بالنسبة لنا صغيرة جداً، فنحن منشغلون بما هو أهم»، ولم ينفع «طنين» حشرات ذلك النظام، فقد ظنوا أن الفرصة مواتية، وأن القمة العربية في الظهران تتشابه مع قمم سابقة، لكن شتان ما بين حدث وحدث، ومكان ومكان، فهذا عرين الأسد، والأسود لا تقبل من يتغذون على الجيف، ولا تحتمل الروائح الكريهة.
قلنا لهم إن الثوابت لا تخضع للمساومات، ولكنهم لم يسمعوا، وقلنا لهم إن زمن «بوس الخشوم» قد ولى، ولكنهم لم يفهموا، وقلنا لهم إن «الطريق واضح» ونهايته في الرياض عند سلمان الحزم، ولكنهم لم يستوعبوا، فتركناهم «في غيهم يعمهون»، وحصرنا شرهم بينهم، وتدارك قادتنا حقوق أوطانهم عليهم، وصانوا أمن وسلامة شعوبهم، فالأخ المؤذي ليس أخاً، والجار الجائر على حقوق الجيرة ليس أهلاً للمراعاة.
منذ سنوات طويلة لم تنعقد قمة عربية بمثل هذا الحضور، فالقادة العرب كانوا في الظهران جميعاً، ومن منعته ظروف قاهرة أناب من يشرّف بلاده تمثيلاً، ولم يغب غير شخص واحد مثّله مندوب بدرجة سفير، عكس الحقيقة التي يتهربون منها، وثبت فعلاً وليس قولاً، أن نظام قطر أصبح معزولاً عن الأمة، ولم يسانده أحد، ولم يتوسط له أحد، ولم يجرؤ أحد على ذكر قضيته، سواء في جدول الأعمال أو في الخطابات التي ألقيت، لقد مسح اسم قطر من القمة، ولولا مسألة «البروتوكول» لاختفى وجود ذلك المندوب الذي لم يشعر بوجوده أحد.
إن الآتي أشد وأقسى، فالجسد إذا تأذى من عضو كان البتر علاجه في بعض الحالات، ونظام قطر يقترب من البتر، وأخبار «قناة سلوى» يتردد صداها في كل مكان، ولا تستغربوا إن استعرنا من التسميات التاريخية ما يشابه الوضع الحالي، وتذكروا تلك التسمية التي كانت تطلق على البلاد الواقعة شرق العراق، فقد كانت تسمى «بلاد ما وراء النهرين»، وغداً ستكون عندنا «بلاد ما وراء القناة».