الضربة العسكرية التي وجهتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى سوريا ليس لها من توصيف في عالم السياسة والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة سوى أنه عدوان ثلاثي.
العدوان بالمبررات التي تم تقديمها له، والطريقة التي تم بها تجسيد سافر لمنطق وقانون البلطجة كما تمارسه الدول الكبرى.
فجأة، ومن دون أي مقدمات، أرادت أمريكا وبريطانيا وفرنسا أن تدخل في روع العالم أنها أصبحت حريصة جدا على الشعب السوري وتذرف الدموع حزنا على ما يتعرض له، وأنها تعتبر أن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر لا يمكن أبدا التسامح معه، وأن الأمر يستحق حشد الأساطيل والطائرات وإطلاق الصواريخ دفاعا عن شعب سوريا.
ما هذا الاستخفاف بالعقول؟
نعم، هذا كذب وتضليل واستخفاف بعقول العرب والعالم كله.
أين كانت هذه الدول الثلاث، وأين كان الغرب كله، على امتداد السنوات الطويلة الماضية، حين تم تدمير سوريا وتسوية مدنها بالأرض، وحين تم تشريد أغلب الشعب السوري؟.. لماذا لم يكن كل هذا الدمار الذي تعرضت له سوريا وكل هذه الإبادة التي تعرض لها الشعب السوري خطا أحمر بالنسبة إلى هؤلاء في أي يوم من الأيام؟
لم تكن الإبادة والدمار خطا أحمر بالنسبة إلى هذه الدول الغربية في يوم من الأيام لأن هذا بالضبط هو ما أرادوه لسوريا وللشعب السوري.
ليس هذا فحسب، بل إنهم يتحملون المسؤولية الأساسية فيما حل بسوريا من دمار وخراب. منذ اندلعت الحروب في سوريا، وهم الذين يحاربون هناك.. هم الذين غضوا الطرف عن كل ما يجري وأرادوا للحرب أن تستمر وإلا تتحقق أي تسوية سياسية حتى تكتمل مهمة الإبادة والدمار.
هذا بشكل عام. ماذا عن المبرر المباشر الذي قدموه لشن هذا العدوان؟
قالوا إن النظام استخدم السلاح الكيميائي في دوما، وإن هذا مبرر كاف لشن هذا العدوان. هذا على الرغم من أنه لا أحد بمقدوره حتى هذه اللحظة أن يجزم ما إذا كان قد تم استخدام هذا السلاح الكيميائي فعلا أم لا. الدول الثلاث قالت إنها هي التي تمتلك الدليل، لكنها لم تقدم أي دليل للعالم. في الوقت نفسه، قالت روسيا صراحة إن المسألة برمتها فبركة لعبت بريطانيا فيها الدور الرئيسي.
حتى لو افترضنا أن استخدام السلاح الكيماوي يبرر عدوانا عسكريا من الدول الثلاث، فمن البديهي أن تكون هناك بداية أدلة قاطعة على هذا الاستخدام. وهذا أمر لا يمكن أن يتحقق إلا عبر لجنة تحقيق دولية محايدة تؤكد أو تنفي هذا.
لكن الدول الثلاث لم تنتظر أي تحقيق، وشنت العدوان في اليوم نفسه الذي وصلت فيه بعثة من منظمة الأسلحة الكيماوية وقبل أن تباشر عملها أصلا.
هذا احتقار للعقول وللحقيقة والقانون الدولي.
الأمر الأهم.. ما الإطار القانوني أو السياسي الدولي الذي تم في إطاره هذا العدوان؟.. من الذي أعطى لهذه الدول الثلاث الحق في شن العدوان وعلى أي أساس؟
من المعروف أنه ليس هناك بالطبع أي تفويض دولي يعطي لهذه الدول حق شن العدوان؛ أي أنه عدوان يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، وبناء على مبررات وأسس واهية.
كما نرى، العملية برمتها تجسيد فاضح لمنطق وقانون البلطجة وشريعة الغاب ولاحتقار القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وليس للعدوان أي علاقة بالحرص المزعوم على الشعب السوري وحياته ومصلحته كما يقولون. هذا عدوان شنُّوه بسبب مشاكلهم الداخلية في الدول الثلاث، وفي إطار الصراع الضاري على النفوذ بين القوى العالمية الكبرى في سوريا والمنطقة عموما.
أما بالنسبة إلى الدول العربية، فالمرء يتساءل: أما آن لها أن تستيقظ؟.. ألم تقم هذه الدول الغربية من قبل بغزو واحتلال وتدمير العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل؟.. ماذا كانت النتيجة؟.. لم يجدوا أسلحة دمار شامل، وأبادوا العراق وفتحوا أبواب الفوضى والدمار على كل الدول العربية.