يخطئ من يعتقد أن سوريا نجت أو استطاعت أن تفلت من «الفخ الليبي» أو المصيدة التي نصبت للعراق في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فالوضع والمصير الذي تنتظره سوريا الآن لا يختلف عن المصير الذي آل إليه العراق وآلت إليه ليبيا، فالبلدان، أي العراق وليبيا، لم يستطيعا الخروج من الفخ الذي نصب لهما، حيث فقد البلدان قدرتهما الذاتية على البقاء كدول مستقلة تحدد خياراتها كما تشاء ووقتما تريد بمعزل عن السيطرة الخارجية على هذه الخيارات، إن لم تكن تحديدها أصلا، وبالأخص ليبيا التي لم تعد فيها دولة بكامل مؤسساتها منذ أن اسقط التحالف الغربي والإقليمي نظام العقيد الراحل معمر القذافي تحت ذريعة «دعم ثورة الشعب الليبي ضد الدكتاتورية»، فيما العراق أسير قوى خارجية، دولية وإقليمية تتحكم في شؤونه الداخلية إما عن طريق التدخل المباشر وإما عبر وكلائها المحليين الممثلين في قوى سياسية، مدنية ودينية.
ما ينطبق على شؤون العراق وليبيا نجد العديد من فصوله تنطبق على الوضع السوري بعد تفجر الأحداث في هذا البلد قبل أكثر من سبع سنوات وتدفق جحافل الجماعات الإرهابية من كل حدب وصوب مدعومة بشتى أشكال الدعم المالي والعسكري والسياسي وتدخل دولي وإقليمي في الشأن السوري وتحولها إلى لاعبين رئيسيين يحددون مسار الأحداث واتجاهاتها فتحول المشهد السوري من مشهد ذي طابع وصبغة محلية للصراع، إلى ساحة تتصارع وتتسابق فيها مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب سياسية وتوطيد أقدامها على الواقع السوري من دون أن يكون للدولة السورية ذاك التأثير أو القرار الحاسم في تحديد هذا المنحى.
صحيح أن النظام السياسي في سوريا لم يتم إسقاطه بالطريقة التي حدثت مع نظامي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والعقيد القذافي في ليبيا وبواسطة الغزو المباشر والاحتلال (العراق مثلا)، لكن تطور الأحداث في سوريا وتدخل القوى الخارجية الداعمة لمناهضي النظام، كلها تؤشر على أن هدفها ليس إصلاح الأوضاع السياسية في سوريا وتحقيق رغبات وتطلعات والمطالب المشروعة للشعب السوري، وإن كانت هذه هي عناوين «الدعم»، وإنما الهدف الأساسي هو النظام السياسي القائم، بل والدولة السورية بأكملها على غرار ما حدث مع العراق وليبيا من قبل.
حتى في ظل استمرار النظام السياسي بقيادة الرئيس بشار الأسد في حكم سوريا، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يبسط سيطرته على كامل التراب السوري ولا يتحكم في جميع الحدود الجغرافية المعترف بها دوليا، فهناك مناطق جغرافية شاسعة أصبحت خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، وتتواجد فيها قوات أجنبية معادية للدولة السورية، مثل القوات الأمريكية والفرنسية والتركية وغيرها من القوات، ناهيك عن العديد من الفصائل المسلحة المعارضة للنظام السوري، إلى جانب تواجد قوات داعمة للنظام مثل الإيرانية والروسية، وكذلك الميلشيات العسكرية مثل مقاتلي حزب الله اللبناني وجماعات مسلحة أخرى.
النظام السوري في وضعه الحالي ليس هو صاحب القرار السيادي بالصورة التي عليها أوضاع الدول الأخرى المستقرة، سياسيا وأمنيا وعسكريا، فسوريا الآن من حيث التمثيل السياسي الخارجي تحكمها سلطة سياسية معترف بها دوليا، لكنها من حيث الواقع ومن حيث إدارتها للقرارات السياسية الداخلية والخارجية أيضا، تخضع لإرادة قوى خارجية وتتحكم فيها التطورات المتسارعة على الأرض السورية، فالنظام السوري من حيث وضعه السياسي الحالي، لا يختلف عن الوضع في ليبيا التي هي الآن رهينة إرادة القوى الإقليمية والدولية.
ما تعيشه سوريا الآن ليس هو نقطة النهاية لأهداف الأحداث التي تفجرت قبل سبع سنوات، وكل المؤشرات تؤكد أن الدولة السورية لن تستطيع الخروج من الفخ الذي نصب لها، ولن تكون أفضل حالا من مصير شقيقيها العراقي والليبي، فطالما سيناريو تدمير الدولة السورية يسير على النهج الذي خطط له من قبل، وطالما أن سوريا تحولت إلى ساحة لتتقاسم الأطراف الإقليمية والدولية حصصها فوقها، وهذا يعني فقدان الدولة السورية إرادتها في إدارة الدولة، فليس مطلوبا الآن تنفيذ السيناريو العراقي أو الليبي، وخاصة أن هناك مخاطر جراء تنفيذ مثل هذا السيناريو، تتمثل في إمكانية حدوث تصادم واحتكاك مباشر بين قوى ذات وزن عسكري كبير على الساحة الدولية، أي روسيا وأمريكا.
المستقبل المنظور لا يشير إلى قدرة سوريا على الإفلات من هذا الفخ المحكم الذي وقعت فيه، رغم كل أشكال الدعم الذي تحصل عليه من حلفائها الإقليميين والدوليين، لأن هناك أهدافا غير معلنة لكنها مرئية ومعلومة لكل متابع لتطورات الأحداث في سوريا بعد تفجرها قبل ما يزيد على سبع سنوات، وربط ذلك بالنتائج التي تمخضت عما آلت إليه الأوضاع في كل من العراق وليبيا اللتين سبق لهما أن وقعتا في نفس النوع من المصائد التي نصبت لسوريا وإن اختلفت أنواع الأطعمة التي وضعت بداخلها.
فإدارة الدولة السورية لشؤونها الداخلية أصيبت بما بشبه الشلل التام، مع تطور الأحداث وبدء التدخل المباشر وغير المباشر للقوى الإقليمية والدولية، مع أن واضعي سيناريو تدمير الدولة السورية كانوا يعتقدون، بل واثقين من أن هذا الشلل والانهيار سوف يتحقق في غضون أشهر معدودات بعد تفجر الأحداث في بداية عام 2011. مع انطلاق ما يسمى بـ«موجات الربيع العربي»، لكن ذلك لم يحدث حيث الدولة السورية ظلت متماسكة فوق الأجزاء التي تسيطر عليها، لكن المسألة لا تكمن في حجم المساحة الجغرافية التي تديرها الدولة السورية، وإنما في قدرتها على التحكم في القرارات ذات الصلة بالأوضاع التي تمر بها سوريا حاليا.