ما الذي يجمع قادة إيران وتركيا وروسيا ويحفزهم على اللقاء في أنقرة بدعوى إنهاء الحرب الأهلية السورية، ورفض المخططات التي تستهدف تقسيم سوريا.
بينما الحلفاء الجدد الثلاثة غارقون في خلافاتهم العميقة حول مستقبل سوريا التي تؤكد حتمية تصادم مصالحهم رغم وجودهم العسكري في سوريا، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يطيق وجود بشار الأسد في حكم سوريا، ويريدها منطقة نفوذ لبلاده ويتحالف مع جماعة الإخوان ضدها، بينما تحارب القوات الروسية أعداء الرئيس بشار الأسد وتطاردهم.
والواضح أن ما يجمع الدول الثلاث هو خلافها مع الولايات المتحدة بأكثر من اتفاقها حول مستقبل سوريا، رغم إعلان الرئيس بوتين أن الدول الثلاث تلتزم بتعزيز سيادة واستقلال وسلامة الأراضي السورية!
وربما كان الإيرانيون أكثر الأطراف الثلاثة عداء للولايات المتحدة، خصوصاً أن الرئيس ترامب يعتبرها الراعي الأول للإرهاب في الشرق الأوسط، وأحد العناصر الأساسية لتوتر المنطقة، أما الروس فهم المنافسون الأساسيون للأميركيين ويملكون قاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم ويربطهم مع بشار الأسد تحالف استراتيجي.
وبدورها تهدد تركيا مستقبل سوريا، لأن قواتها تحتل الآن منطقة عفرين، وتصر على أن تواصل تقدمها إلى مدينة منبج السورية التي توجد فيها الميليشيات الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية التي حاربت داعش وهزمتها على الأرض السورية.
وفي مؤتمره الصحافي الأخير، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن مستقبل سوريا ومستقبل المنطقة بأسرها لا يمكن تركه لمجموعة من عصابات الإرهاب التي تتشكل من الميليشيات الكردية المسلحة التي تتبع حزب العمال الكردستاني وتشكل تهديداً لأمن سوريا وأمن تركيا.
لأنه بدون سلام سوريا يصعب أن يكون هناك سلام في تركيا، بما يعني أن أردوغان لا يزال يصر على مخططه الذي يهدف إلى إزاحة الأكراد من مدينة منبج رغم الرفض الأميركي!
وبرغم جهود أردوغان المتواصلة لتعزيز علاقاته بالروس في ظروف تضطرب فيها علاقاته مع الولايات المتحدة، يصعب أن يترك الروس الحبل على الغارب للرئيس التركي أردوغان كي يستمر في مخططاته بشأن بشار الأسد طالما بقي في حكم سوريا.
ومن جانبه، شدد الرئيس الإيراني حسن روحاني على سلامة أراضي سوريا وسيادتها ووحدتها واستقلالها، مؤكداً أن النزاع في سوريا لن يحل عسكرياً، وأن الأزمة يجب حلها بطرق سياسية.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول رفيع في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب وافق على تمديد بقاء القوات الأميركية الموجودة في منطقة منبج لفترة أطول بقليل، من دون أن يقطع على نفسه التزاماً طويل الأمد.
وأضاف المسؤول الأميركي أن ترامب يحرص على هزيمة داعش، وأن مساعدي ترامب يرون أن بقاء القوات الأميركية في سوريا أمر هام، لأن سحبها من هناك، في هذا التوقيت، يضعف موقف أميركا في مواجهة تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.
والواضح أن البيان الختامي لقمة أنقرة لم ينجح في تبديد خلافات الدول الثلاث، خاصة أن روحاني ذهب إلى حد اتهام القوات التركية باحتلال عفرين وطالبها بالانسحاب فوراً وتسليمها إلى قوات بشار الأسد، مشدداً على أن بلاده تعتقد بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، كما يرفض روحاني خيارات تركيا الهادفة إلى إيجاد منطقة عازلة داخل سوريا.
لكن الجميع يتساءل عن مدى قدرة روسيا على التحكم في مواقف باقي الأطراف، خصوصاً أن إيران تريد الحفاظ على سيطرة بشار الأسد كاملة على سوريا، بينما تحاول تركيا إيجاد واقع جديد في سوريا لا يشارك فيه الأسد، في ظل غياب توافق سياسي دولي حول شكل التسوية السياسية للأزمة السورية.
ومن ثم فإن ما تحقق عسكرياً على أرض عفرين يمكن أن يفاقم خلافات الدول الثلاث ويزيد القضية تعقيداً، لكن الأشد غرابة من كل ذلك أن تنشغل تركيا وإيران وروسيا برسم مستقبل سوريا دون أن يكون للسوريين وجود في هذا المؤتمر الثلاثي، الذي يكاد يكون بالفعل مؤتمراً للأضداد.