أخطر ما ترسب في العقل العربي، وفي الوجدان العربي، وخاصة لدى قادة ونخب ومسؤولين كبار، بأن الهزيمة قدر، لا فكاك منها، وقد أصبحت ثابتا من ثوابت الامة .. وأن الانتصار على العدو الصهيوني شبه مستحيل، ما يحتم طأطأة الرأس، والتعايش معه، وفتح اوتوستراد التطبيع على مصراعيه.
هذا الانطباع، أو لنقل القناعة لدى البعض، وهي قائمة على الضعف والخنوع للظلم، تعززت لدى بعض الانظمة، ممن تؤمن بان كسب رضا واشنطن يمر عبر تل ابيب، فمن يريد ان يكسب رضا واشنطن وتأييدها له، عليه ان يحظى برضا تل ابيب، ونسوا وتناسوا .. ان العدو الصهيوني هو العدو الاول للامة. فهو من يحتل ارضها، ويدنس مقدساتها، ويهود القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويرفض الاعتراف بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني الشقيق، ويصر على نفيه في اربعة رياح الارض.
هذه القناعات المزيفة لدى البعض هي اساس الداء والبلاء، وأساس الكارثة التي ضربت وتضرب الامة من أقصاها الى ادناها، وقد أصبحت دولا متخاصمة متنابذة، ومرتهنة للقرار الاميركي.
المفجع الى حد البكاء في هذا المشهد الكآبي، أن وقائع التاريخ القريب والبعيد على حد سواء تكذب هذه «القناعات» المزيفة المبنية على الضعف والامتهان، لا بل وتنسفها من جذورها.
فالأمة بالامس القريب انتصرت في معركة الكرامة الخالدة عام 68، واستطاع الجيش العربي الاردني، تمريغ انف العدو في تراب الاغوار الطاهر، وكسر عنجهية جيشه، وتهشيم مقولة « الجيش الذي لا يقهر» ..وتنبع اهمية هذا الانتصار المفصلي، انه تحقق بعد كارثة حزيران 67.
والامة انتصرت في حرب 73، حرب رمضان، واستطاع الجيش المصري ان يجتاز اعظم مانع مائي في التاريخ : «قناة السويس» ويفاجىء العدو، ويدوس على كبريائه ويأسر عددا كبيرا من جنوده وضباطه، كما استطاع الجيش السوري ان يطوي الجولان ويصل الى بحيرة طبريا، بمساعد جيوش الاردن، الكويت، العراق، السودان، ليبيا، المغرب، الجزائر، وقوات منظمة التحرير الفلسطينية..
لقد اثبتت هذه المعارك، وهذا الانتصار الكبير، أن الامة اذا اتحدت، وملكت ارادتها قادرة على تحقيق المستحيل، ودحر البغاة، وكتابة التاريخ من جديد.
واستطاع الشعب الفلسطيني، ولا يزال بصموده الاسطوري، وعبر مائة عام من النضال المشرف، أن يسجل أعظم الانتصارات، على أكبر قوة غاشمة، فاشية، احتلالية، عرفها التاريخ..
لقد سجلت المقاومة الفلسطيني أعظم صمود في بيروت «89» امام اخطر الة عسكرية تدميرية صهيونية، مدعومة اميركيا، وفجرت أهم، واكبر الانتفاضات في التاريخ، انتفاضة الحجارة وانتفاضة الاقصى، وانتفاضة القدس، التي اجبرت العدو على ازالة البوابات الالكترونية، فانتصر اهلنا المرابطون في الاقصى بايمانهم العميق، وارادتهم التي لا تلين، وصيحات الله اكبر على الارهابي نتنياهو، وزمرته من الصهاينة الفاشيين.
وها هي غزة المحاصرة منذ «11»عاما، تؤكد بدماء ابنائها، انها اقوى من العدو .. ومن جبروته .. فلم يستطع أن يكسر ارادتها، ولم يستطع ان يجبرها على الركوع، وها هي تخرج من رماد ثلاثة حروب، ومن رماد الاعتداءات الصهيونية المستمرة يوميا، تخرج كطائر الفينيق، أكثر بهاء واصرارا على المقاومة .. وعلى الحياة.
كل هذا واكثر منه، يؤشر على الحقيقة الازلية، التي أكد عليها الروائي الاميركي الاشهر ارنست همنجواي في رائعته « الشيخ والبحر» «فالانسان قد يخسر جولة أو جولات، وقد يخسر معركة، ولكنه سينتصر في النهاية اذا ما امتلك الارادة، وقرر الاستمرار في المقاومة، رافضا التسليم بالهزيمة» ..
وهذا ما سجله تاريخ الشعب الجزائري العظيم، وتاريخ الشعب الفيتنامي، وما يسجله اليوم الشعب الفلسطيني، الذي جعل من فلسطين .. هوية نضالية يتشرف بحملها ملايين الاحرار في العالم.
باختصار..
ايها السادة الزعماء العرب.. وانتم تستعدون لحزم حقائبكم للمشاركة في القمة العتيدة، الاحد القادم بالمملكة العربية السعودية، نذكركم وانتم لا تنسون_ بحقيقة واحدة ينطق بها تاريخكم المجيد، وهي: ان ارادة الامة اذا اجتمعت، واتحدت قادرة على زلزلة الارض، وطرد الغزاة وتحرير القدس والاقصى الذي يناديكم ..
فالهزيمة ليست قدرا، والانتصار هو قدر الامة اذا امتلكت ارادتها، وقررت الحياة والخروج من تحت العباءة الاميركية ..لتعود كما ارادها الباري عز وجل « خير امة اخرجت للناس» ..
ولا تنسوا ابدا ان عدوكم الاول والوحيد هو من يحتل مقدساتكم. ويهود اولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، فلا تضيعوا البوصلة، واغلقوا كل ابواب التطبيع، وحاصروا الوباء الصهيوني قبل ان يمتد الى الارض العربية.