انطلقت أولى حلقات المرحلة الثالثة والأخيرة من برنامج “شاعر المليون” في موسمه الثامن، والذي تنظمه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي على مسرح “شاطئ الراحة”، وتنقله على الهواء مباشرة قناة الإمارات وقناة بينونة.
وبدأت أحداث الحلقة التي حضرها كل من السيد عيسى سيف المزروعي نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، بالإضافة إلى عدد من أسرة اللجنة،كما حضر الحلقة عدد من الشعراء والنقّاد الخليجيين، ومجموعة من الإعلاميين الذين جاءوا خصيصاً لتغطية الحلقة، وكذلك جمهور متحفّز لسماع الشعر الجميل وتشجيع الشعراء.
لكن قبل بدء المنافسة الشعرية بين أول ستة شعراء في هذه المرحلة؛ أعلن المقدّمان حسين العامري وأسمهان النقبي عن الشاعر الفائز بتصويت الجمهور عن الحلقة الماضية، فانضم إلى قائمة الشعراء الـ12 الشاعر السعودي مشاري سرهيد الرشيدي إثر حصوله على 83% من أصوات الجمهور، في حين ودّع بقية الشعراء المسرح والجمهور.
القرقاح ضيف الحلقة
واستضاف البرنامج ليلة أمس الشاعر السعودي فلاح القرقاح أحد أهم شعراء الحماسة والفخر والنظم والمحاورة في الخليج العربي. فقد تميز القرقاح بموهبته الشعرية التي اعتبرها النقاّد فريدة، خاصة وأن الشاعر التزم بإبداع القصيد الذي يؤكد انتماء الشاعر لمجتمعه ووطنه، وبكتابة الكثير من الشيلات التي أداها فنانون عديدون، كما صدر له ديوان شعر مسموعٍ مسجّل بصوته، وضم الديوان مجموعة من قصائده الوطنية والوجدانية وقصائد النصح والإرشاد.
وقبل أن يلقي قصيدته الرئيسة أعلن الشاعر عن رأيه ببرنامج “شاعر المليون” على مدار المواسم الثمانية، مؤكداً أن فضل البرنامج كبير على الشعر الشعبي، فإلى جانب أنه أحيا الشعر الشعبي، فقد بات الشاعر يستشعر وجود اللجنة قبل أن يترشح للمسابقة. مشيراً إلى أن البرنامج قدم العديد من نجوم الشعر للساحة، كما استمر البعض الآخر من مسرح شاطئ الراحة في إبداعه، في حين أن القلة سقطوا حينما أنكروا ما قدمه البرنامج، فكانوا جاحدين.
ثم ألقى الشاعر القرقاح قصيدة وطنية أمتع الحضور بها:
في قفص صدري هجوسٍ تحطّ الّي تشيل
سيل واديها عرمرم وواديها فحل
كل روضٍ تسهجه يلبسه جوٍّ عليل
من خزامى ولا من شيح ولا من نفل
ماني بعسّاس ديرة ولا عابر سبيل
من وطن عزوة وأهل في وطن عزوة وأهل
مثل ما للبحر هيبة له إحساس جميل
وفوق مسرح شاطي الراحة يجوز المثل
لا كفخ هاجوسي يهيّج بحور الخليل
ويتمشى بي على المشتري ولا زحل
أعتبر شعري حصان أبيض الوجه الأصيل
اللي لا حدّه على الطمره صعبة صهل
سقت فنجاله لرمز الفخر في كل جيل
شايبٍ في القبر ويموّن شعوب ودول
زايد وزايد لو المدح يكثر به قليل
في أمة محمد لو ان فيها حد كامل كمل
وأضاف:
سلّم الراية خليفة عسى عمره طويل
وجا عوضنا في المصيبة وفي الخطب الجلل
شامخٍ لو مالت الشمّ لا يمكن يميل
عاش عزمٍ ما تراخى وراسٍ ما نزل
يوم شبّت واقْدحوا زندها في جنح ليل
أشهد إنه ما تحزم له بحزام فشل
اعتزى باللي يروم الصعب والمستحيل
أبو خالد مثل نارٍ على قمة جبل
معايير المرحلة الثالثة
قبل بدء فصول الأمسية أوضح الناقد سلطان العميمي معايير “المرحلة الثالثة” وآلية التنافس فيها، فقال: هناك معيارين، قصيدة حرة الوزن والقافية والموضوع، والجزء الثاني مرتبط بفن العازي، موضحاً أن مهمة الشعراء نظم ستة أبيات بمناسبة افتتاح حصن الظفرة، يتناولوا فيه تاريخ الحصن والأمجاد والبطولات التي سطرها سكان المنطقة الأوائل، شرط الالتزام بكتابة أبيات مكوّناً كل بيت من شطرين فقط، مع الانتباه إلى القافية والعجز.
فواز الزناتي متأهّلاً
بدأت أحداث الحلقة بوجود ستة شعراء يمثلون كلاً من الكويت والعراق والسعودية والإمارات، وهم أحمد بن شمروخ المطيري، زايد التميمي، فواز الزناتي العنزي، متعب النصار الشراري، سالم بن كدح الراشدي، وعلي سالم الهاملي، وبعد إلقاء الشعراء قصائدهم التي تنافسوا من خلالها، وإبداع أبيات العازي؛ تأهل الشاعر السعودي فواز الزناتي العنزي الذي تأهل برأي أعضاء اللجنة، فحصل على 48 درجة ليصل بذلك إلى الحلقة النهائية، فيما حصل أحمد بن شمروخ حصل على 44 درجة، تلاه متعب النصار الشراري الذي استحق 42 درجة، وعلي الهاملي 40 درجة، زايد الضيف التميمي من العراق 39 درجة، وذهبت أقل الدرجات لسالم بن كدح وتمثلت بـ36 درجة، ليكونوا بذلك على موعد مع الحلقة التالية حيث سيتم الإعلان عن نتيجة تصويت الجمهور لصالح الشاعرين صاحبا النسبة الأعلى.
«ريحانة» بن شمروخ
البداية كانت مع الشاعر الكويتي أحمد بن شمروخ المطيري، والذي ألقى نص “ريحانة الشرف”، والذي أهداه للراحلة ريحانة جباري التي أعدمت بتهمة القتل، مع أنها كانت تدافع عن نفسها، وقال في الأبيات الأولى من نصه:
آنست في عوج المحاني نار والمسرى طويل
واخذت منها نور يكشف لي مفاهيم الدهاه
تمخضت لـَ ارض وخرج من بطنها عابر سبيل
يبحث عن الحكمة من النشأة إلى يوم الوفاه
ان شفت لي عن كل شمس حارقة بارد مقيل
عجزت لـَ القى عن هموم الليل منفى واتّجاه
يخنق مداي الضيق بكفوفه بداية كل ليل
ويفرج لي الله بالأذان اليا دعاني للصلاه
أشوف في شام العروبة سيف جلاد وقتيل
وأقول آخ وتسرق أسماعي من الأحواز آه
د. غسان الحسن أكد على جمال القصيدة التي تناولت موضوعاً إنسانياً بامتياز، وما حاق بالفتاة ريحانة على وجه الخصوص. وعبر أبيات القصيدة عبّر الشاعر عن الهموم والأفكار التي تعتمل بداخله وتدور في خلده.
وحول عنوان النص أشار د. غسان إلى أنه يشكّل بؤرة القصيدة، غير أن الشاعر وبعد ستة أبيات بدأ بموضوعه. غير أن الناقد لم يجد في ذلك عيباً، بل أوضح أنه أسلوب لجأ إليه الشاعر الذي تلّمس بدايةً ما حوله، سواء في الشام أو في الأحواز. إعجابه بالبيت (أشوف في شام العروبة سيف جلاد وقتيل/ وأقول آخ وتسرق أسماعي من الأحواز آه)، فاستخدم الشاعر مفردة (أشوف) ثم ذهب إلى كلمة (أسماعي)، وهذا هو منطق الأمور، وما كان متاحاً للشاعر.
أما بالنسبة للأبيات الأخيرة التي ذهب فيها الشاعر إلى سيرة الفتاة التي دافعت عن شرفها؛ فقد أراد القول من خلالها إن ما حدث لها إنّما هو الظلم بعينه. ولفت إلى أن الشاعر بنى قصيدته على أسلوب الجملة الفعلية حيث أورد في أبياته مجموعة من الأفعال مثل (آنست، تمخضت، شفت، أشوف) وغيرها، ورأى في ذلك استشعاراً لطبيعة الموضوع، وللأحداث التي تتكرر، وهو ما يؤكد أن القصيدة بمجملها حَدَثيّة.
فيما أشار الناقد سلطان العميمي إلى أن القصيدة أخذت أبعاداً كثيرة، وهي التي تتميز ببناء قويٍّ، إذ كتبت بعاطفة عالية، وبحس إنساني رفيع. كما لفت إلى ما جاء في القصيدة من جمالٍ في التصوير الشعري، وتنوع في الأساليب. إذ ذهب الشاعر إلى البلاغات والكنايات والرمزية والمحسنات البديعية، وكل ذلك صب في صالح القصيدة، ورفع من مستواها الشعري.
وما أعجب الناقد سيناريو القصيدة، من حيث اختيار الشخصية، ثم لجوء الشاعر إلى ارتداء قناعها لاحقاً، مؤكداً أن تلك التقنية جميلة وأضافت تميزاً للقصيدة. وختم بالناقد بإشادته بالخلاصة التي تمثلت في البيت الأخير (هم يحسبون اعدامها من حقدهم يشفي غليل/ وهي شافت ان المشنقة من ظلمهم طوق النجاة).
أما الناقد حمد السعيد فأكد أن إبداع الشاعر غير مستغرب، وهو الذي كتب نصاً بشعور مسلمٍ عربيٍّ أصيل، فكان ما كتبه مليئاً بالمشاعر. مشيراً إلى أن التناص كثر في النص بدءاً من المطلع الذي يتناصّ مع آية قرآنية، مؤكداً على أن كثرة التناص دليل ثقافة الشاعر ومخزونه الفكري، وهو ما اتضح عبر الأبيات اللاحقة والتي جاءت مترابطة.
وأوضح السعيد أن الفكرة بدت ممتدة في البيتين اللذين قال فيهما الشاعر (ان شفت لي عن كل شمس حارقة بارد مقيل/ عجزت لالقى عن هموم الليل منفى واتجاه) و(يخنق مداي الضيق بكفوفه بداية كل ليل/ ويفرج لي الله بالأذان اليا دعاني للصلاه). كما دل الشاعر على الألم الشديد من خلال البيت (أشوف في شام العروبة سيف جلاد وقتيل/ وأقول آخ وتسرق أسماعي من الأحواز آه)، إلى أن قال الشاعر (هم يحسبون اعدامها من حقدهم يشفي غليل/ وهي شافت ان المشنقة من ظلمهم طوق النجاة)، ليختم الناقد بالقول: إن توظيف الاسم في جاء في مكانه عندما قال الشاعر: (ريحانه شمت على جرح البراءة والعليل/ يبعث نسايم حزنها لله من فعل الطغاه).
«ميثاق هوى» التميمي
زايد الضيف التميمي ألقى نصه “ميثاق الهوى” الذي وصف الناقد سلطان العميمي غرضه بأنه عاطفي، ومما قاله الشاعر في الأبيات الأولى من ذاك النص:
خالفت ميثاق الهوى والقلب واخلفت المسير
للوجهه اللي لا ضرر فيها ولا منها ضرار
ما عاد لي قلبٍ يغرّد في سما العشق ويطير
أطلقت مسباق الغرام وتل جنحانه وطار
من عقب ماني خلف قضبان الجفا مثل الأسير
أفرجت عن روح صداها بين غار وبين نار
واريت من دون الأسى عمر عبوسٍ قمطرير
لا ذقت من لذّاته ولا باح لي قطف الثمار
أول صبانا يرسم البسمة على وجه الغرير
واتلى هرمنا فاقد الوجدان ثلثين الوقار
وأضاف العميمي أن القصيدة انقسمت إلى جزأين بما فيها من تصوير شعري. ففي الأبيات الثلاثة الأولى دار الشاعر حول الطيرن والقيود، ثم انتقل إلى قطع العلاقة، ولهذا كان التصوير موفقاً في أغلبية الأبيات التي اتضح فيها النضج والوعي بما يريد الشاعر تصويره من مواقف وأفكار جزئية.
كما وجد الناقد أن كل شطر في البيت (لا تعتذر لي ما يفيد الكحل بعيون الضرير/ لو تحزم الأشواق وتحث الخطى فات القطار) يكتنف جمالاً خاصاً. ففي الشطر الأول تم توظيف مثل عامي معروف، غير أن عبارة (فات القطار) هي من العبارات الجاهزة، ومع ذلك جاء التصوير جميلاً وكذلك التوظيف. وفيما يتعلق بالبيت الأخير (فاليوم أنا ما عاد لي في الودّ ناقة أو بعير/ عن مشهد البارح خمدت النار واسدلت الستار) أوضح أنه جاء كمشهد مسرحي مصور بإبداع. غير أن الشاعر أكثر من استخدام القوالب الجاهزة الأمر الذي يجعل الشاعرية تخفت، كما الأمر بالنسبة للعبارات (حر الهجر، أطراف النهار، أسدلت الستار).
من ناحيته أكد الناقد حمد السعيد على عذوبة ما يقدمه الشاعر بشكل عام، وما قدمه ليلة أمس على وجه الخصوص، حيث جاء بنصٍّ مترابط على طرق الحدا المميز، مشيراً إلى أن القليل من الشاعر يكتبون على هذا الطرق الذي يوازي البحر الطويل، والذي يكلّف الشاعر الكثير من المفردات.
وحول البيت (فاليوم أنا ما عاد لي في الود ناقة أو بعير/ عن مشهد البارح خمدت النار واسدلت الستار) أشار إلى أن الشاعر لم يوفّق فيه، إذ لم يجد تجانساً بين شطري البيت، وكذلك الأمر بالنسبة للبيت (ما عاد لي قلب يغرد في سما العشق ويطير/ أطلقت مسباق الغرام وتل جنحانه وطار) والذي لم تأتِ الصورة فيه دقيقة. أما البيتين (أول صبانا يرسم البسمه على وجه الغزيز/ والتلى هرمنا فاقد الوجدان ثلثين الوقار) و(واريت من دون الأسى عمرٍ عبوسٍ على قمطرير/ لا ذقت من لذّاته ولا باح لي قطف الثمار) فجاء التوظيف فيهما جميلاً، حين تحدث الشاعر عن الفراق والهرم، إلى أن وصل إلى البيت (لا تعتذر لي ما يفيد الكحل بعيون الضرير/ لو تحزم الأشواق وتحث الخطى فات القطار) الذي برزت فيه صورة جميلة.
د. غسان الحسن لفت إلى موضوع القصيدة العاطفي، وإلى الموقف الذي استمر من بدايتها وحتى ختامها. وعبر البناء الفني تحدث الشاعر عن نفسه منفرداً، ثم انضم معه آخر، وهو ما يطلق عليه اسم الالتفات، حيث برز ضمير المتكلم بدايةً، ثم جاء ضمير الجماعة. غير أن الناقد لم يجد في الماضي أي شيء جديد، فيما كان الهوى بمثابة مأساة. ثم علق الناقد على العبارات الجاهزة التي أوردها الشاعر في قصيدته، مثل: (لا منها ضرار، مثل الأسير، حر الهجير، فات القطار، ما عاد لي ناقة ولا بعير، أسدلت الستار)، والتي تمثل فتات موائد الشعراء.
الراشدي متفائلاً
“تفائل الخير” عنوان النص الذي ألقاه سالم بن كدح الراشدي، والذي أكد من خلاله على اختيار صور متميزة بالرغم من الخطأ الذي وقع فيه، وقد قال في الأبيات الخمسة الأولى:
تفائل الخير يا شعري حشاك القصور
الوقت مدري من سنيني كم الي سرق
تغافل العمر يا هم عساك معثور
في ضل بعدين وحسابك معي مخترق
كم عسعس الليل في عيني ولا انساق نور
تعبت أدوّر على نفسي بشتى الطرق
كنت أجني الشوق واتخيل رحيق الزهور
وأشوف نفسي ف بحر الحلم ميت غريق
صحيح لا قالوا الشاعر رهين الشعور
لو كل بابٍ من أبواب القصايد طرق
الناقد حمد السعيد أكد أن سالم كتب بإحساس جميل عن التفاؤل، فأبدع فيما قال بدءاً من المطلع (تفائل الخير يا شعري حشاك القصور/ الوقت مدري من اسنيني كم الي سرق)، إلى أن قال (كم عسعس الليل في عيني ولا انساق نور/ تعبت أدور على نفسي بشتى الطرق)، وصولاً إلى البيت (صحيح لا قالوا الشاعر رهين الشعور/ لو كل بابٍ من أبواب القصايد طرق) الذي دلّ على حديث الشاعر عن حال الشعر. ونوّه الناقد إلى الصور الشعرية الرائعة التي وردت في النص، ومن ثم قوله (جيتك بنفحة شذى الجوري وباقة عطور/ باللي تغيّر من ايامي عليّ وفرق)، إلى أن ختم الشاعر بالقول (أمسيت صمتٍ يسود الفكر كلّه وغرور/ وأصبحت صوتاً نقيض احساس حبر وورق)، ليؤكد أن الصوت دائماً هو الأبلغ من الكتابة، الأمر الذي يعيدنا إلى الجدل القائم حول الكلام والتدوين.
في النص استبطان للذات كما قال د. غسان الحسن، كما فيه ما ينتاب الشاعر من إحساس، ومن تفاؤل وقلق وتوتّر أثناء الكتابة، فذهب الشاعر إلى التصوير الجميل، إلا أنّه وقع في خطأ تمثل في كسر الرّوِي، فنهايات كل مفردات القافية جاء حرف الراء فيها مفتوحاً، ما عدا البيت الشطر الذي انتهى بعبارة (بشتّى الطُّرُق) الراء فيه مضمومة، كما وقع في تكرار عبارات ليست للشاعر وردت في أواخر معظم الأبيات. ثم علق د. الحسن على أن المطب الذي يقع في الشعراء إيراد عبارات مكرورة ومستخدمة كثيراً، منبّهاً إلى ضرورة تخليهم عن ذلك وابتكار عبارات خاصة بهم.
وختم الآراء النقدية الخاصة بقصيدة الراشدي الناقد سلطان العميمي الذي أشاد بمطلع القصيدة الدال على التفاؤل. ثم أكد على ملاحظة د. الحسن فيما يرتبط بمفردة (الطُّرُق) على الرغم أن التصوير الشعري جميل جداً في ذات البيت (كم عسعس الليل في عيني ولا انساق نور/ تعبت أدوّر على نفسي بشتى الطرق)، لكنه وجد القصيدة جيدة بشكل عام، ولعل أجمل الأبيات التي ركز عليها هو البيت. ورأى العميمي لو أن الشاعر بدأ نصه بالبيتين الأخيرين لكان المطلع أجمل.
الهاملي و«تلويحة العود»
علي سالم الهاملي ألقى نص “تلويحة العود” الذي ينحو نحو الغرض العاطفي، ليقدم من خلال صوراً متميزة أحياناً، وعبارات شعرية مكررة في أحيان أخرى، ومع ذلك برز كان رأي اللجنة لصالحه، ومما ألقاه ليلة أمس:
يا مزنة الوصل هلي بعد شح وغياب
اسقي ورود السعادة وأحيي جذورها
تلويحة العود لا خضر بوجه السحاب
عرفان رد الوفا لعيون ممطورها
أغصاني الخضر شابت في ربيع الشباب
جاها خريف الفراق وبان مستورها
يا هاجري شمعة أشواقي بليل العذاب
لو ينهمر دمعها ما ينطفي نورها
يا سابي الروح زينك فاق حد النصاب
واعداك من كثر وزينك ضاقت صدروها
د. غسان الحسن بيّن أن النص عاطفي وجميل، ويتراوح ما بين الفراق والوصال كما هي عادة العشاق، ووجد الناقد أن ما جاء به الشاعر من عبارات شعرية كان جميلاً، ويدل على التصوير التميز، كما الحال بالنسبة للبيت الأول (يا مزنة الوصل هلي بعد شح وغياب/ اسقي ورود السعادة وأحيي جذورها)، ومن خلاله يرجو الشاعر أن يكون ذاك البيت مقدّمة للوصول إلى المحبوبة. كما أشار إلى صورة أخرى (يا سابي الروح زينك فاق حد النصاب/ واعداك من كثر وزينك ضاقت صدروها) حيث النصاب مشبّه على نصاب الزكاة، وكأن الشاعر يطلب زكاة على جمال المحبوب والتي تتجسد بالوصال، وتلك صورة مبتكرة بعيدة عن العادية، وقوله: (تعال وانفض عن ثياب الوداد العتاب/ حدايق الشوق غبت وذبلت زهورها). كما لفت د. الحسن إلى كثرة العبارات التي استعارها الشاعر (تلويحة العود، العيون منطورها، بان مستورها، ربيع الشباب، ينطفي نورها)، وهي العبارات التي تجعل جمالية النص.
من ناحيته وجد الناقد سلطان العميمي القصيدة تقليدية في موضوعها، والذي يتحدث من خلاله الشاعر عن الهجر، غير أن الصور الشعرية التي وردت فيها كانت ذات خصوصية كما في البيت (تلويحة العود لا خضر بوجه السحاب/ عرفان رد الوفا لعيون ممطورها)، والبيت (كحلت عين الخطا وأوغفت عين الصواب/ جرحت نفسي بصدّك وانت دكتورها) الذي وظف فيه الشاعرة مفردة من البيئة المحلية. في حين يدل البيت الرابع على مقدار الشعرية (يا هاجري شمعة أشواقي بليل العذاب/ لو ينهمر دمعها ما ينطفي نورها)، وكذلك البيت الأخير (أي والله اني قبل فرقاك ما كنت اهاب/ لين المقادير مشّتني على طورها) الذي يتضمن تصويراً شعرياً مع أنه ليس بقوة ما سبقه من صور.
حمد السعيد أكد على ملاحظة د. الحسن، فتكرار العبارات يعيب القصيدة، ومع ذلك قدم الشاعر نصاً بديعاً بما فيه من أبيات جميلة، كما البيت الثاني الذي لا يكتبه إلا شاعر متمكن (تلويحة العود لا خضر بوجه السحاب/ عرفان رد الوفا لعيون ممطورها)، والبيت (زكاة حسنك وصالي كان ترجي ثواب/ في شرع ملة هواي وحكم دستورها) الذي يدل على حرفة الشاعر، وكذلك الأمر بالنسبة لبيت الختام الذي لا يقل جمالاً عما سبقه (أي والله اني قبل فرقاك ما كنت اهاب/ لين المقادير مشّتني على طورها).
العنزي و«عروس الشعر»
فواز الزناتي العنزي ألقى نصه الذي أثار اهتمام أعضاء لجنة التحكيم من حيث الأسلوب الذي استخدمه الشاعر، والذي يدعى “عروس الشعر” عبر نصه الذي قال في أبياته الأولى:
من سالف الجور في أرضك عداك الملام
رحم المعاناة جاد بمولدك يا بتول
من ظهر ما فيك ألهمني قصيدي حرام
لفّيت به بوحي وجيتك برجوى قبول
من شرفة النور طليتي بجنح الظلام
لين أشرق بشمس وجهك ما يردّ العقول
يا باسقة من وصل ظلّك لحدّ التمام
وعذوق طهرك على الأرواح تاخذ ميول
مع كلمة الحق متقلّد شموخك حسام
باقي على جيدك معلق يصول ويجول
وقد أشار الناقد سلطان العميمي إلى أن القصيدة ذكرته بأسلوب “عروس الشعر”، وهو أسلوب قديم نسبياً كتب عليه الشعراء من الأجداد والآباء، ويقوم على افتراض وجود عروس في خيال الشاعر، وهي ذات حسب ونسب وجمال، تطلب من الشاعر أن يخطب لها من هو بقدر مكانتها ليستحقها، فيبدأ الشاعر بتعداد صفات رفيعة، لتذهب القصيدة نحو غرض المدح.
ورأى الناقد أن قصيدة الزناتي إنما هي شكل مطوّر لعروس الشعر، وموضحاً أن القصائد التي جاءت على ذلك النحو قليلة. وركز على تميز القصيدة من حيث الفكرة والبناء والسبك والتصوير، وهي بمجملها جزلة، ثم علق على البيت (طحتي وطحتي وقمتي واكتسيتي لثام/ لو حايلت سترك يدين العبث ما يزول)، وقال ربما لو جاءت الصياغة بطريقة أخرى لكان البيت أفضل.
من ناحيته أكد الناقد حمد السعيد على أن حالة الشعر لدى فواز استثنائية، فالعادة أن تذهب النصوص الوطنية إلى الجمود غير أن نصوص الزناتي تنحو دائماً إلى الجمال والتميز، وما يؤكد على ذلك الأبيات (من سالف الجور في أرضك عداك الملام/ رحم المعاناة جاد بمولدك يا بتول)، وأيضاً توظيف الشاعر شعار المملكة بصورة جميلة في البيت (يا باسقة من وصل ظلّك لحدّ التمام/ وعذوق طهرك على الأرواح تاخذ ميول).
وأشار إلى وجود التقاطات بديعة في النص، يمثلها البيت (مع كلمة الحق متقلّد شموخك حسام/ باقي على جيدك معلق يصول ويجول)، وما ورد في البيت (يا ما تلوّن سما خدّك بلون العسام/ يوم يتهامل من رموشك عتاد وفلول) الذي يدل على زمن الحروب قبل توحيد المملكة، لافتاً إلى إعجابه بالبيت (ميلي على حجر معشوقك عليه السلام/ خليه يمشط جدايل مجدك اللي يطول) إذ أخفى الشاعر الشخصية التي يتحدث عنها من خلال وصف المعشوق. فأخذ الشاعر المتلقي إلى التساؤل عن الشخصية التي قال فيها (يضفي عليك بدفا بشته من الاهتمام/ ويسوق الأحلام لعيونك بخطوة عجول)، لينتهي بالإفصاح عنها في آخر شطر من القصيدة (ماري بمعشوقك محمد سمي الرسول).
وفيما يتعلق بالبيت (طحتي وطحتي وقمتي واكتسيتي لثام/ لو حايلت سترك يدين العبث ما يزول) فقد خالف السعيد زميله العميمي؛ مؤكداً أن الشاعر وصف الوضع الذي كان بدقة بالغة.
أما د. غسان الحسن فقال إن الشاعر اتكأ على عبارات قرآنية تدل على أنه لا يتحدث بلغة الناس العاديين، وأنه ذهب إلى منهج خيالي غير عادي، والكلمات التي يستخدمها لا يأتي بها كما ترد في المعاجم، ومن هنا ولدت القصيدة من رحم شاعر يعرف معنى الشعر وفلسفته.
وقال د. الحسن إن الشاعر استخدم جزيئات من بيئته وضمها إلى القصيدة مثل (السيف، النخلة، الزعماء)، وحول “عروس الشعر” أضاف أنه فن شعري نبطي قديم غرضه المدح، استمر حتى هذا اليوم، ويفترض أن الشاعر جاءته عروساً غاية الجمال تطلب منه أن يخطب لها شخصاً لا عيب فيه، فيبدأ بعرض صفات بعض الأشخاص، فيما هي ترفض، إلى أن يأتي إلى صفات ترضاها، وهذا الأسلوب يتطلب من الشاعر الابتكار حتى يصل إلى غايته.
الشراري ينتصر للإنسانية
ومن خلال نصه انتصر الشاعر متعب النصّار الشراري للإنسانية من خلال استعراض حكاية عن مسن له من الحياة الكد والتعب، عبر صور شعرية ومفردات صورت الحالة بدقة، فقال:
صباح الرزق يا وجهٍ بشوش ومنطق معسول
يديك من الظهر ينبت بها التسبيح والتهليل
على عكازتك فوق الرصيف بكشكك المحمول
بسعر بخس جيت تبيع الراحة بليّا كيل
تعزم الشمس وطيور الصباح وحلمك المقتول
ولا ينهي عزيمتكم أحد إلا حضور الليل
يا عمي في عيونك سالفة ما هو لزوم تقول
يترجمها الحزن واحساسنا يقرأ حكاية جيل
بسطت ولا انبسطت بواقع مبطي وهو مجهول
على الذمة تعرف ان المطفف آخرته بويل
الناقد حمد السعيد أكد أن متعب أبدع في نصه بوصف حالة إنسانية، عبر قوالب شعرية مليئة بالصور التي تحسب له بدءاً من البيت الأول (صباح الرزق يا وجهٍ بشوش ومنطق معسول/ يديك من الظهر ينبت بها التسبيح والتهليل)، ثم وظف شخصية المسن بدقة وذهب إلى استخدام الجناس الواضح الذي تجسد في البيت (بسطت ولا انبسطت بواقع مبطي وهو مجهول/ على الذمة تعرف ان المطفف آخرته بويل)، كما تحدث الشاعر بلسان السائل والمجيب لإيصال الحالة التي شاهدها، متناولاً من خلال نصه عدة قضايا جاءت على لسان المسن.
كما لجأ الشاعر في نصه المدهش إلى استخدام صور وإشارات جميلة للدلالة على الراديو في البيت (ولا لك في السياسة غير في رادوّك المنقول/ ولا تقرأ عن الأحزاب إلا بمحكم التنزيل)، وفي البيت (عيونك للسماء ترقب وتجي مولد الهملول/ ولكن جفت عروقي الأماني والسحايب حيل)، وكذلك (على هالحال ما تشبه لك إلا سدرة الغرمول/ محد يسقي منابتها ولا هي في طريق السيل)، أما البيت الذي اختصر الكثير من المعاناة الاقتصادية فتجسد في البيت (وأنا أدري عمري أكبر من حقول الغاز والبترول/ زمانك راح ما حصلت لا أنبوبة ولا برميل)، تلاه البيت (تشوف إن الحياة أقصر من عتابك على مسؤول/ تضاحي ما عرف وش قيمة الساعة وضبح الخيل).
د. غسان الحسن أكد على أن النص من صنع الشاعر، وليس ناتجاً عن تجربة حقيقة. غير أن ذلك الأمر ليس مهماً، سواء عرف الشاعر أم لم يعرف أنه استخدم أسلوباً شعرياً كان مستخدماً قبل 70 سنة بهدف التوجيه الاجتماعي، ومن بين الشعراء الذين استخدموا حافظ إبراهيم. حيث يقوم الشاعر بابتكار شخصية يجعلها في منتهى الطهر والأخلاق، في حين أن الظروف المحيطة بها في منتهى القسوة، وذلك من أجل فرض التأثير على المتلقي، وقد أتقن الشراري ذلك. لكن ما لم يجده د. الحسن مهماً تمثل في البيتين الأخيرين، فجاءاً وكأنها مفصولين عن موضوع النص (أنا أدري عمرك أكبر من حقول الغاز والبترول/ زمانك راح ما حصلت لا أنبوبة ولا برميل)، وما قبله (تشوف إن الحياة أقصر من عتابك على مسؤول/ تضاحي ما عرف وش قيمة الساعة وضبح الخيل).
واختتم الناقد العميمي القراءة النقدية للقصيدة التي أكد أن الدلالات المرتفعة والمشهدية السينمائية اجتمعت فيها، فذهب الشاعر إلى الحالة النفسية للمسن وإلى الحركية والوضع الإنساني، غير أنه البيتين الأخيرين لم يخدما النص ولم يضيفا إليه. ثم استعرض الناقد الأبيات التي وجدها في غاية الجمال مثل (تعزم الشمس وطيور الصباح وحلمك المقتول/ ولا ينهي عزيمتكم أحد إلا حضور الليل)، حيث أنسن الشاعر فيه أربعة عناصر تجسد في الشمس وطيور الصباح والحلم والليل، والبيت (على عكازتك فوق الرصيف بكشكك المحمول/ بسعر بخس جيت تبيع الراحة بليّا كيل)، وكذلك البيت (شبعت من العنا من وقتك اللي شح بالمحصول/ وروحك جايعة من قلة الفرح والحيل).
فن العازي
وليلة أمس قدم الشعراء ستة أبيات غير القصيدة الرئيسة تنتمي إلى فن العازي، وموضوعها حصن الظفرة في منطقة الظفرة من إمارة أبوظبي.
والعازي فن شعبي نجحت الإمارات وسلطنة عمان بإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في اليونيسكو، ويقوم العازي على تفعيلة (مستفعل مستفعلن) من كل شطر، وهو حسب بحور الفراهيدي (مجزوء الرجز)، ومن أهم من كتبه الشعراء أحمد بن زعل الفلاحي، علي بن رحمة الشامسي، عبيد بن عضيد العميمي، وغيرهم كثر ، وللعازي أنواع تتمثل من بينها المتناية والمربوعة.
ويعتمد فن العازي على ترديد الأشعار الحماسية بشكل جماعي دون استخدام آلات موسيقية أو إيقاعية، ويقدم في المناسبات الوطنية والاجتماعية لبث روح الفخر والولاء والاعتزاز بالقيم الوطنية، إلى جانب التغني بتقاليد الترحيب والمدح وسرد الإنجازات، مع التركيز على الأداء القوي لأصوات كل من المؤدي والمرددين من خلفه، ويتكون شعر العازي من أبياتٍ مقفّاة على غرار الشعر العربي التقليدي، مع اقتباس الأقوال المأثورة، والأمثال في بعض الأحيان، وحتى منتصف القرن العشرين كانت القبائل البدوية التي تعيش في صحراء الإمارات تؤدّي العازي، إلى أن خفت حضوره.
أما الشعراء ليلة أمس وحين قدموا أبيات العازي؛ لم يكونوا بذات المستوى من حيث التألق، فمن الشعراء من كان ذكياً في التقاط الحالة، ومنهم من أبدع، ومنهم كذلك من كسر في الرّوي، أو جاء بمفردات متناقضة في ذات النص، وأجمع النقاد أن أبيات كثيرة جاءت مباشرة خالية من التخيّل الشعري.
حصن الظفرة
يقع الحصن في منطقة سيح السرة شرق مدينة زايد بنحو 30 كيلومتراً، وجاء ذكره في بعض المخطوطات التاريخية المتعلقة بتاريخ المنطقة، إذ أنه من أهم وأكبر الحصون في تلك المنطقة. وكان تابعاً لبني ياس والمناصير الذين سكنوا المنطقة آنذاك، أي في القرن السابع عشر.
وقد انتهت من ترميمه مؤخراً اللجنة التنفيذية لمشروع ترميم القلاع والحصون التاريخية في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي التابعة لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وافتتح قبل أيام قليلة ليتمكن السياح من زيارته والتعرف على معالمه وتاريخه وكل ما يتعلق به من معلومات تاريخية.
شعراء الحلقة القادمة
في ختام الحلقة أعلن كل من حسين العامري وأسمهان النقبي عن شعراء الحلقة الثانية من المرحلة الثالثة والأخيرة من “شاعر المليون”، حيث سيتنافس ستة شعراء، ثلاثة منهم من السعودية، وستضم الحلقة القادمة: بتول آل علي من الإمارات، صالح الهقيش الصخري من الأردن، ومن السعودية راشد بن قطيما ونجم بن جزاع الأسلمي ومشاري سرهيد الرشيدي، ومن الكويت محمد الخطيمي الخالدي.