كان عندنا فى يوم من الأيام عيد يسمى عيد الربيع وقد ارتبط دائما باحتفالات شم النسيم وكانت القاهرة يومها يحيطها اللون الأخضر من كل مكان كانت المعادى والمهندسين ومصر الجديدة وحلوان وكل هذه الأحياء العتيقة مساحات خضراء فيها كل أنواع الخضراوات والزهور والفاكهة.. وكانت منطقة الأهرام تكسوها أشجار المانجو بمساحات كبيرة وكانت أجمل وأحلى أنواع البلح فى العمرانية والحوامدية ونزلة السمان .. وكانت الخضراوات فى الشارع ابتداء بالخس البلدى والبطيخ والشمام شيئا رائعا قبل أن تغزو بلادنا حشود الكانتلوب المضروب وأنواع الفاكهة سيئة السمعة.. وكنت تأكل أحلى أنواع الجوافة والبلح الزغلول فى الإسكندرية ورأس البر ودمياط وكنت تجد البطيخ فى البحيرة وأنواع الفاكهة الأخرى فى كل مكان .. كنت تشترى فاكهة تكفى الأسرة والأولاد بعشرة جنيهات وربما أقل.. وفى عيد الربيع شم النسيم كان السردين والرنجة والفسيخ ــ رغم أنى لم آكله فى حياتى ولا أتعامل معه إطلاقا ــ على مائدة كل بيت وتجتمع الأسرة على أنواع الخس والبصل والرنجة فى أعياد تجمع شمل الأحفاد بينما فريد الأطرش يغنى أغنيته الشهيرة على رقصات سامية جمال عفريتة هانم فى أغنية الربيع.. أين اختفت كل هذه الأشياء كان الربيع يأتى مبتسما هادئا وديعا بلا عواصف أو أتربة وكان مجاملا لا يزعج احدا وهو يتسلل إلى البيوت كأنه ضيف عزيز .. والآن تأتى إلينا العواصف السوداء تغير لون السماء والبحر والبشر.. واختفى فصل جميل كنا نسميه الربيع وغابت معه كل طقوسه الجميلة لأن الفسيخ مضروب وفاسد ولأن السردين اختفى فى ظروف غامضة أما الرنجة فلا تسأل عنها بعد أن قفز سعر الدولار والتونة كان سعر العلبة بضعة جنيهات والآن تجاوزت العشرين جنيها.. هل تغيرت الفصول أم الناس أم الأشياء أم أن الجميع تغيروا وأصبح الربيع الجميل فصل الزهور فصلا للعواصف والرياح واختفت معه مشاعر كثيرة قامت على الحب والتسامح .. كل ربيع وأنت طيب ولا تنس أن تسمع أغنية فريد لأنها آخر ما بقى لنا من ربيع الزمن الجميل.