نون والقلم

السيد زهره يكتب: ومن المسؤول عن حالنا العربي البائس؟!

كما نعرف, قبل أيام عقد رؤساء إيران وتركيا وروسيا اجتماعا عن سوريا لبحث مستقبلها ومصيرها.

أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، كتب معلقا على هذا الاجتماع وما يعنيه. قال في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع تويتر: «الاجتماع الثلاثي حول سوريا الذي لم يضمّ أي أطراف سورية أو عربية دليل صارخ على حال العالم العربي، عودة الدور هو في التلاحم والتعاون والتواصل العربي بعيدا عن المحاور الإقليمية، دروس مؤلمة لا بد من أن نتعظ منها».

مبدئيا, ما قاله قرقاش صحيح تماما, لكنه من النوع الذي لا يفيد ولا يعين كثيرا.

الذي يعين ويفيد هو أن نحاول الإجابة بوضوح وصراحة عن التساؤلات التي لا بد أن يثيرها ما قال. ونعني تحديدا تساؤلات ثلاثة بالأساس هي: ما هو حال العالم العربي الذي تحدث عنه واعتبر أن الاجتماع الثلاثي دليل صارخ عليه؟.. كيف وصلنا إلى هذا الحال؟.. من هو المسؤول بالضبط عن وصولنا إلى هذا الحال؟

من المفهوم بداهة أن الحال الذي يتحدث عنه قرقاش ووصلنا إليه هو حال عربي بائس أشد ما يكون البؤس. أي بؤس أشد وأكثر مرارة من حال أمة عربية عاجزة لا حول لها ولا قوة, ولم يعد مصيرها ومصير دولها وشعوبها بأيديها؟.. أي حال أكثر بؤسا من أمة الآخرون والأعداء هم الذين أصبحوا عيانا بيانا يقررون مستقبل ومصير دولها؟

سوريا, البلد العربي, ليس للعرب فيه أي وجود ولم يعد لهم أي قرار فيما يجري فيه ومستقبله ومصيره. سوريا, البلد العربي, أصبحت دول معادية وطامعة مثل إيران وتركيا وروسيا هي التي تقرر بشأنها.. هي التي تقرر, هل تستمر الحرب أم لا, وهل تبقى دولة موحدة أم لا.. وهكذا. هذا من دون أن يهتم أي أحد في العالم بأن يكون للدول العربية رأي أو قرار يتم حتى مجرد الاستماع إليه.

ما يجري لسوريا جرى قبل ذلك للعراق.. أمريكا دمرته.. وإيران احتلته وهي التي تقرر بشأنه وشأن مستقبله, وأصبح العراق عموما, هذا البلد العربي الكبير، ضائعا على مذبح القوى الأجنبية والطائفية, والعرب بعيدون عنه لا حول لهم ولا قوة.

ونستطيع أن نقول مثل هذا عن قضايا عربية كثيرة أخرى.

هذا باختصار شديد هو حالنا العربي البائس الذي وصلنا إليه.

كيف وصلنا إلى هذا الحال؟

الجواب ببساطة, وقد كتبنا عن ذلك مرارا, أن الحكومات العربية تركت ساحتنا العربية خالية من أي قوة أو قدرة عربية, وكان من الطبيعي أن يتقدم الآخرون لملء هذا الفراغ. الأعداء والطامعون والدول الغربية التي لديها أجندات معروفة لتدمير الأمة, ما كان لها أن تفوت هذه الفرصة من دون أن تتقدم هي وتحتل الساحة العربية بمخططاتها ومشاريعها, وفعلت هذا بالقوة, أي بفرض وجودها العسكري المباشر في عديد من الدول العربية.

وصلنا إلى هذا الحال لأن الحكومات العربية لم تهتم إطلاقا باستغلال القوى والإمكانيات العربية المهولة بشكل موحد, ومن أجل تكوين قوة عربية موحدة وقادرة تحمي الدول العربية وتواجه بحسم وفعالية مخططات ومشاريع القوى الأجنبية.

وصلنا إلى هذا الحال, لأن الحكومات العربية تفرغت في أغلبها لقضايا هامشية جانبية ونسيت مصير الأمة ومستقبلها ومهمة حمايتها.

وما قلناه حالا يجيب عن السؤال: من المسؤول عن الحال الذي وصلنا إليه؟

المسؤول في المقام الأول والأخير هو الحكومات العربية والمسؤولون العرب. هؤلاء هم من بيدهم صنع السياسة واتخاذ القرار.. هؤلاء هم الذين فوضتهم الشعوب العربية للقيام بمهمة الدفاع عن الأوطان ومواجهة المخططات الأجنبية وحماية الدول والشعوب، لكنهم تخلوا عن المهمة.

نعم, هناك مؤامرات أجنبية, لكن هذه المؤامرات تنجح لهذا السبب بالذات.. بسبب عجز الحكومات العربية وتشرذم صفوفها وإحجامها عن مهمة حماية الأمة.

ولهذا, أشعر شخصيا بالغضب والامتعاض الشديد في كل مرة أقرأ لمسؤول عربي مثل هذا الكلام.. أعني في كل مرة, يكتب مسؤول عربي أو يدلي بتصريحات يتحسر فيها على حال الأمة, ويدعو إلى التضامن والتلاحم العربي.

أتساءل في كل مرة: إلى من يوجه المسؤولون العرب هذا الكلام بالضبط؟.. هل يوجهونه مثلا إلينا نحن الكتاب أو المثقفين العرب أم إلى المواطنين العرب عموما؟

لا نحن قصرنا ولا المواطنون العرب قصروا.. المواطنون العرب مستعدون للتضحية بأرواحهم دفاعا عن الأوطان وعن الأمة.. وملايين المواطنين العرب دفعوا ويدفعون أرواحهم فعلا ثمنا لحالنا الذي وصلنا إليه.

لهذا, أقول لكل المسؤولين العرب الذين يرددون هذا الكلام: كفى.. لم نعد على استعداد لأن نسمعكم تتفلسفون علينا وتدّعون امتلاك ناصية الحكمة والوطنية والعروبة.. المشكلة فيكم أنتم.. الكارثة التي وصلت إليها الأمة أنتم سببها.. الدروس المؤلمة أنتم الذين بحاجة إلى أن تتعلموها.

نقلاً عن صحيفة أخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى