نون لايت

القيسي في روايته الجديدة يخطو «بعد الحياة بخطوة»

صدرت هذا الأسبوع رواية «بعد الحياة بخطوة» للروائي والإعلامي الأردني يحيى القيسي، عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت وعمّان.

الرواية تحاول الاقتراب بجرأة من الحقيقة التي تؤرق البشر جميعاً وهي الموت لتشتغل على العوالم التي من الممكن أن تواجه من يرحل من عالمنا، وتقترح عليه مواصلة حياته بشكل آخر في عالم مختلف في كل تفاصيله. فالموت ليس نهاية كما تقول الرواية بل بداية لحياة جديدة موازية للحياة الأرضية السابقة، وحافلة بالعمل من أجل الترقي لما هو أفضل من عوالم أخرى قادمة، بينما تنتظر أولئك الذين فشلوا على الأرض بسبب من أخلاقهم الدونية، وجرائمهم التي تكبلهم، وطاقاتهم السلبية أرض أخرى تسمى «الحضيض» فيها حياة قاسية، لا تليق حتى بالحيوانات.

رحلة الشخصية الأساسية في الرواية تأتي بعد دخوله في غيبوبة لنحو شهر من الزمان، إذ يترك جسده المادي على سرير المستشفى فيما يغادر بوعيه الحاد أو جسده الأثيري إلى عوالم جديدة ضمن معراج ذاتي يقوده إلى مقابلة من سبقه في الرحيل أو الانتقال «الموت» ويتم عرض حياته السابقة أمامه كاملة ليعرف أين أصاب وأين أخطأ في رحلته الأرضية، كما يصف بالتفصيل الحياة الفردوسية التي يعيشها من يستحقها هناك من الأرواح الراقية، وكيفية مواصلتهم أعمالهم الأرضية السابقة بصورة أخرى مختلفة عن المقاربة المعهودة في المرويات التراثية أو الدينية الجاهزة، وذلك ضمن خيال جامح يحاول بثّ الأمل في النفوس التي عذبها فقدان أحد المقربين، أو هي مصابة أساساً بما يسمى “قلق الموت”.

الرواية الجديدة للقيسي تندرج ضمن مشروعه الروائي المنشغل بالمسائل الروحانية والماورائيات، والذي تمثّل في رواياته السابقة لتتشكل في النهاية رباعية سردية تحتاج إلى الكثير من التأمل والدراسة، كونها تمتلك خصوصيتها وعناصرها المميزة.

من بعض فقرات الرواية نقرأ:

«وسط كلّ هذه الأجواء، التي تُحيل إلى حلمٍ قصيّ وغامض، أحسّ بخيطٍ من الضوء الفضّي، يمتد من جسده الأثيري الخفيف هذا إلى جسده الآخر الأرضي المتروك على سرير المستشفى مثل خرقة بالية، تحت رحمة الأطباء وأجهزة الرقابة، وكلّما كان يركّز فكره على ذلك الجسد تعود إليه قدرات السمع الحادّ، والرؤية المبهرة، والشعور بكلّ التفاصيل من حوله، كما لو أنه هناك قربه، رغم كلّ هذه المسافات المذهلة التي قطعها في عروجه..!
انتبه إلى أنّ ضوءاً غامراً يشكّل دائرة متوهجة قد ظهر له في الأعالي، غير أنّ المسافات هنا، وهي تتخلّص من وطأة الزمن السائل المسفوح بلا حسبان في هذا الفضاء اللامحدود، تجعلُ من البعد والقرب مسألةً نسبية، سرعان ما تتلاشى عند أول خاطر له بالعروج إليه. كأنّ إرادته الداخلية هي ما يُسيّره حسب ما يأتيها من البوارق، أو يوحى إليها من الإشارات، أو ما يُملى عليها من الخواطر والعبارات…!
واصل الصعود نحو تلك الدوّامة الضوئية التي اتّسعت، مشكّلة بوّابة في سقف السماء اللدن. انتبه إلى طفلة ترافقه بجمالها الفطري الهادىء الذي يجلب الحبور إلى النفس، فيما نظراتها التي تشعّ رقّةً ولطفاً بدت كفيلة بأن تغرقه بفيوضات من الحنان والطمأنينة، وتجعل من عبوره تلك البوابة مسألة عادية، كما لو أنه ظلّ يعبرها في منامه كلّ ليلة من قبل، ويعرف تماماً ما يختبىء خلفها من الأسرار..».

يذكر أن يحيى القيسي روائي وباحث وإعلامي من مواليد حرثا شمال الأردن عام 1963، وسبق أن أصدر ثلاث روايات: باب الحيرة 2006، أبناء السماء 2010، الفردوس المحرم 2016، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما «الولوج في الزمن الماء» 1990، ورغبات مشروخة 1996، وكتابين في الحوارات والترجمة.

وعمل القيسي في الصحافة العربية في تونس والأردن، وخصوصاً مراسلاً لصحيفة القدس العربي اللندنية في الجانب الثقافي لمدة عشر سنوات، كما عمل مديراً في وزارة الثقافة الأردنية لغاية 2006، ونائباً لمدير عام هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام في الإمارات حتى نهاية العام 2016 كما حصل على منحة التفرغ الإبداعي لوزارة الثقافة لكتابة رواية تصدر نهاية العام 2018.

أخبار ذات صلة

Back to top button