ليس بغريب على دولة يحرّكها الخوف وتحكمها الاحتياطات الأمنية كدولة الاحتلال الإسرائيلي، أن تتحول بعد سنوات إلى ما يشبه المعسكر المغلق بجدران إسمنتية عالية تحدّها من الجهات الثلاث ويحاصرها البحر من الجهة الرابعة، لتكون بذلك ملاذاً خطراً على الإسرائيليين ومناقضة بذلك لهدف احتلالهم إياها عام 1948.
وتأتي هذه التوقعات بعد سلسلة القرارات والتصريحات التي أدلت بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي معلنةً فيها عن نيّتها بحدّ البلاد بالمزيد والمزيد من الجدران الأمنية العالية من جميع الجهات، بعد أن كان وجودها مقتصراً على حدودها مع قطاع غزة وسيناء جنوباً بجدار يمتد لمسافة 240 كيلومتراً، والحدود الشمالية الشرقية مع سوريا بجدار يمتد على مسافة 70 كيلومتراً، بحسب ما اطّلع عليه “الخليج أونلاين” من تقارير بصحيفة “هآرتس” العبرية.
وفي حين تتوقع الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو بأن هذه الاحتياطات تعتبر كافية لحفظ أمن الإسرائيليين من الفوضى الأمنية العارمة وحالة عدم الاستقرار الثابتة التي تجتاح الدول المجاورة، أكدت تقارير أمنية وتحليلات عسكرية أن سياسة نتنياهو الأمنية لن تحمي دولة الاحتلال من خطر امتداد نار العمليات التفجيرية إليها أو حتى من موجة اللاجئين، سواء من سيناء أو من سوريا أو حتى من الأردن التي اعتبرت من أكثر الحدود أمناً لعقود طويلة.
وفي هذا السياق قال المحلل الأمني والعسكري لصحيفة “هآرتس” العبرية، عاموس هارئيل، إن الأحداث الجارية بالأشهر الأخير تؤكد بأنه إلى جانب الأخطار الأمنية المتداولة والمعروفة للاحتلال والمتمثلة بإيران وأذرعها في المنطقة إلى جانب الحراك العملياتي الفلسطيني، من المتوقع أن تؤثر الاضطرابات في العالم العربي تدريجياً على الوضع الأمني بدولة الاحتلال وأن الخيارات المتاحة لحفظ الأمن محدودة وتحتاج للمزيد من التطوير.
وأكد هارئيل أن طموح نتنياهو بإحاطة البلاد بجدار أمني لا يقتصر على الحدود المعروفة بخطورتها، إنما توسع ليشمل الحدود مع المملكة الأردنية، هذا على الرغم من التنسيق الأمني عالي المستوى بين الأجهزة الأمنية الأردنية ونظيرتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق يرى الكاتب أن فكرة سقوط العائلة المالكة في الأردن وانتهاء حكمها هو كابوس مرعب بالنسبة لدولة الاحتلال، لدرجة أنها لا يمكنها الحديث عنه بالعلن، إلا أنها على ما يبدو تستعد لسيناريو شبيه. فلم يعد بالإمكان الاعتماد على التنسيق الأمني القوي بين الطرفين، وأصبح من الضروري اتخاذ الحيطة الأمنية استعداداً للحظة فقدان السيطرة.
من جانب آخر تكمن أهمية تأمين الحدود مع الأردن في عدة نقاط، الأولى والأهم هي لمنع تسلل منفذي العمليات التفجيرية سواء كانوا من التنظيمات الكبيرة والناشطة في المنطقة مثل تنظيم “الدولة” و “القاعدة” و”حزب الله” أو من حركات الكفاح الفلسطيني المسلّح، خاصة وأن للمملكة الأردنية حدوداً مشتركة مع سوريا والعراق التي تسيطر “الدولة” على أجزاء كبيرة منها، كما أن حدودها مع الأراضي المحتلة هي الأطول بواقع 309 كيلومترات.
إضافة لذلك، هناك أهمية قصوى بالنسبة لدولة الاحتلال في هذا الجدار لكونه يسد الثغرات في الضعف الاستخباراتي الإسرائيلي تجاه التنظيمات المسلحة في سيناء وما حولها. فبحسب هارئيل، هناك نقص كبير في المعلومات حول تشكيلات تنظيمات سيناء وترتيب قادتهم وقوتهم العسكرية الحقيقية. كما أن تامين الحدود بجنود من كتائب المشاة يعرض الاحتلال لخطر تكرار سيناريو خطف الجندي “جلعاد شليط” وقد يوقعهم في مأزق يجبرهم على تغيير استراتيجية تعاملهم مع خطر هذه التنظيمات المسلحة.
إلى جانب ذلك تسعى حكومة الاحتلال للنأي بنفسها عن موجة اللجوء التي تجتاح العالم، فعلى الرغم من تصريحات اليسار الدعائية عن استعداد دولة الاحتلال لاستقبال اللاجئين السوريين خاصة “الأخوة الدروز” كما وصفوهم، ترفض الاستراتيجية الأمنية ذلك لعدم جلب المزيد من الأعباء والتحديات، خاصة لتصنيف اللاجئين بخانة “العدو” وخوفاً من الإضرار بالميزان الديموغرافي المضطرب أصلاً.
ولتحقيق ذلك أعلن نتنياهو الأسبوع المنصرم عن بدء بناء جدار أمني بشكل مبدئي على طول 30 كيلومتراً يبدأ من إيلات جنوباً ويتجه شمالاً بمنطقة العربة، وتهدف هذه الخطوة بالأساس لحماية مطار “تمناع” الإسرائيلي الواقع بجانب الحدود الشرقية، والذي يعتبر هدفاً مهماً للعمليات التفجيرية والهجمات المسلحة.
ومن المتوقع أن يتوسع المشروع ويمتد الجدار على طول المساحة الحدودية بعد المصادقة على الميزانية المطلوبة، وبحسب مراقبين فإن هذه الخطوات تأتي نتيجة لتخوف الاحتلال من تغيّر شكل الحرب في العقد الأخير. حيث تحولت من كونها تدور بين دول معروفة القوى والمصالح والأهداف إلى حروب بين دول وتنظيمات غير واضحة الأهداف وغير مكشوفة استخباراتياً بشكل كافٍ، الأمر الذي يزيد من احتمال تنفيذ عمليات عشوائية وغير متوقعة مما يستعدي المزيد من الاحتياط حتى على الحدود الآمنة حالياً.