من دون الحاجة للتخلي عن حق الشعب الفلسطيني المبدئي في مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل والأدوات الكفاحية، بما فيها الكفاح المسلح… ومن دون الدخول في «سجال فقهي عقيم» حول الحق في امتشاق السلاح في مواجهة المحتلين… فإنه يتعين على النخب الفلسطينية أن تنخرط في نقاش عميق وهادئ، حول «المقاومة الشعبية السلمية» بوصفها الرافعة الكبرى للنضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال.
الفلسطينيون، يمتلكون اليوم الدليل المادي الملموس، على جدوى وجدية هذه الأداة الكفاحية، في الشروط الوطنية والإقليمية والدولية الراهنة… فقد وضعت مسيرة العودة الكبرى، العالم بأسره، أمام خيار التضامن مع الشعب الفلسطيني والإدانة والتنديد بجرائم الاحتلال، بل والمطالبة بالتحقيق الدولي ومحاسبة الجناة… الاستثناء الأمريكي، يؤكد هذه القاعدة ولا يلغيها، إذ حتى واشنطن، بدت محرجة نسبياً، أمام الصلف الإسرائيلي في مواجهة الزحف الشعبي الفلسطيني السلمي.
الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بعد مسيرة يوم الأرض، ليس كما قبله… فصوت الجموع الزاحفة في غزة والضفة، سيتردد صداه في قمة الرياض العربية، وستتلاشى بفعله أية محاولة من أي جهة كانت، لفرض خيارات غير مرغوبة على الفلسطينيين، وهو كفيل بإعادة بعث حركات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، وهو يعيد الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
لقد أدخلت المسيرة الكبرى، مصطلحاً جديداً إلى السياسة وقاموسها: «حرب الاستنزاف الشعبية السلمية… طويلة الأمد»، بعد أن ظل الاستنزاف رديفاً للحروب والمعارك العسكرية… إسرائيل، وحتى الخامس عشر من أيار/مايو المقبل، ستظل في أعلى درجات اليقظة والاستنفار، فعهد «الاحتلال المريح» ولّى وإلى الأبد، فكلفة الاحتلال بدأت بالارتفاع، ولن تعود للانخفاض من جديد، إن أدرك الفلسطينيون ما يتعين عليهم فعله.
والضفة الغربية، ستلتحق بالقدس، فقد انتهت (أو تكاد تنتهي) مفاعيل «نظرية السلام الاقتصادي» و»الانسان الفلسطيني الجديد»، لكل من طوني بلير والجنرال كيت دايتون… والشتات الفلسطيني، لن يظل على «شتاته»، فقد استيقظ الفلسطينيون في مخيمات اللجوء ودول المنافي والمغتربات على هتافات المنتفضين في غزة والقدس والضفة ومناطق 48، وستعاد اللحمة والهوية الجامعة للفلسطينيين، بعد سنوات عجاف طوال، من الانقسام والخيبات والانسدادات.
الرئيس المحاصر في «مقاطعته»، وحماس المختنقة في القطاع المنكوب، جاءهما المدد من حيث لا يحتسبان… لكأنهما استعادا أنفاسهما ونبضهما من جديد… عباس بمقدوره اليوم، أن «يضرب على الطاولة» في وجه محاولات شطبه واستبداله، أو شطب قضيته وتصفيتها، فهو ينطق باسم شعب كسّر قيود الانقسام والاحتلال، وخرج وسيخرج بمئات الألوف منتصراً لحقه ومستقبله… وحماس، بمقدورها اليوم، أن تبني على «يقظة غزة»، وأن تحول طاقة الغضب التي تجمعت في فضاء القطاع ضدها، إلى طاقة غضب ضد الاحتلال.
وسيتوفر للمصالحة الوطنية الفلسطينية لأول مرة منذ الانقسام، ما كان ينقصها: رافعة جماهيرية، تضع المنقسمين في أضيق الزوايا، وتسهم في إنضاج «طبخة انهاء الانقسام» على نار حامية… فكل من خرج معرضاً نفسه وأفراد عائلاته للخطر الشديد، هتف بأعلى صوته من أجل الوحدة والمصالحة.
هي أيام وأسابيع حاسمة، من الآن، وإلى أن تحين الذكرى السبعين للنكبة… قد تدخل معها القضية الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية، مرحلة استراتيجية جديدة، عنوانها الرئيس: المقاومة الشعبية السلمية.