قبل أن تنطلق انتخابات الرئاسة المصرية، كانت توقعات الكثيرين أن المشاركة الشعبية في الانتخابات سوف تكون محدودة جدا. كان السبب في ذلك في رأي هؤلاء يبدو منطقيا وهو أن نتيجة الانتخابات محسومة عمليا سلفا لصالح السيسي، وليست هناك منافسة حادة، وبالتالي فإن الحافز على المشاركة محدود.
لكن الشعب المصري كان له رأي آخر وكلمة أخرى عبر عنها بالمشاركة الكبيرة في الانتخابات، وبالمشاهد التي سجلها أثناء هذه المشاركة.
بحسب النتائج الأولية التي تم إعلانها، فقد شارك في الانتخابات أكثر من 25 مليون مصري، وبنسبة مشاركة تصل الى اكثر من 42%. هذه نسبة مشاركة تعتبر بالمعايير العالمية مرتفعة وجيدة جدا.
والمصريون لم يكتفوا بهذه المشاركة الكبيرة، ولكن حرصوا على تسجيل مشاهد رائعة مذهلة في لجان الانتخاب.
نساء مصر تصدرن المشهد الانتخابي، وكنّ الأكثر مشاركة، وهي ظاهرة تكررت في كل الانتخابات الماضية، وبحاجة إلى دراسة.
كبار في السن، بعضهم تجاوز عمره المائة عام، حرصوا على المشاركة رغم متاعبهم.
مرضى على أسرّتهم لا يستطيعون الحركة أصرّوا على الإدلاء بأصواتهم.. سيدة حملت زوجها المريض على ظهرها وتوجهت به إلى لجنة الانتخاب كي يدلي بصوته.
مظاهر احتفالية مبهجة، وناخبون يرددون الأغاني الوطنية ويهتفون للوطن، وطلاب وطالبات صوّتوا معا وهم يرتدون الزي الفرعوني.. وهكذا.
هذه المشاهد وغيرها كثير ليست مشاهد مواطنين ذهبوا الى الانتخابات لأن أحدا أجبرهم، أو حتى مجرد استجابة للحملات الدعائية ودعوات أجهزة الاعلام للمشاركة.
الشعب المصري أراد بهذه المشاركة أن يؤكد أنه صاحب القرار وأن الكلمة هي في النهاية له.
في الفترة التي سبقت الانتخابات، انطلقت دعوات لمقاطعتها من الإخوان، ومن قوى سياسية معارضة قصيرة النظر.
شعب مصر وجه الى هؤلاء من دعاة المقاطعة صفعة مدوية. أراد لهم أن يعرفوا وزنهم الحقيقي، وأن يفهموا ان الشعب على درجة عالية من الوعي، وعلى درجة عالية من الإدراك لحقيقة نوايا هؤلاء، وأصرّ على ان يلقنهم هذا الدرس القاسي.
والشعب المصري شارك بهذه النسبة المرتفعة في الانتخابات ليس من أجل ان يضمن الفوز للسيسي فقط، ولكن قبل هذا كي يواصل مهمة حماية الدولة الوطنية المصرية، وجهود إعادة البناء.
الشعب المصري يدرك جيدا فداحة الأخطار التي تتهدد الوطن، ويتابع ويرى ما يجري في المنطقة، وقدم مئات الشهداء من أبنائه في معركة مع قوى وجماعات الإرهاب الأسود المدعومة والممولة من الخارج والتي تريد الخراب والدمار للوطن.
الشعب المصري بحسّه التاريخي ووعيه المتقدم ووطنيته المشهودة عبر التاريخ، أدرك ان صوته في هذه الانتخابات له قيمة كبيرة تتعدى بكثير تقرير من الفائز، وأن له دورا كبيرا في معركة مواجهة الارهاب والدفاع عن الوطن وحمايته.
الشعب المصري فكر وتصرف على هذا النحو على الرغم من كل الصعوبات المعيشية التي يعاني منها، وعدم رضاه عن بعض السياسات، ومطالبته بإصلاحات كثيرة يرى أنها ملحّة.
على الرغم من هذا، فهو يعتبر أن معركة حماية الوطن ودحر الإرهاب ومؤامرات الخارج لها أولوية كبرى.
وليس هذا بالأمر الجديد. على امتداد تاريخ مصر الطويل الممتد لآلاف السنين، كان هذا هو حال الشعب المصري دوما في كل العهود والأزمات.. بالنسبة له، الوطن يأتي أولا قبل أي شيء وقبل كل شيء، وقبل أي مصلحة أيا كانت.
إذن، شعب مصر قال كلمته، وعبر عن إرادته، وأبلغ رسالته الى الكل بلا استثناء.
شعب مصر أعطى للسيسي شرعية شعبية جديدة كبيرة، وهو يتوقع منه الكثير في ولايته الثانية. يتوقع منه المضيّ قدما بحزم في مسيرة حماية الوطن والدفاع عنه وإعادة البناء. ويتوقع منه الكثير من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية.