شكلت الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت خلال الأسبوع الماضي ما يشبه الاستفتاء والإجماع على زعامة الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، ليس لأنه لم تكن هناك منافسة حقيقية على المنصب الرئاسية إذ لم يكن هناك سوى منافس واحد هو رئيس حزب الغد موسى مصطفي موسى، أو كما يشاع بأن هناك ضغوطا مورست على المنافسين للانسحاب من حلبة السباق الرئاسي، وإنما لأن الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها مصر بعد التحولات السياسية والأمنية الكبيرة التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان المسلمين ووضع الجماعة على قائمة الإرهاب ومطاردة قيادتها واعتقالها وسجنها، هذه التطورات والتحولات حدثت في ظل قيادة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي أثبت تصميما قويا على إخراج مصر من الحالة الصعبة التي دخلت فيها بعد ثورة يناير وما أعقبها من صدام مع الإخوان المسلمين.
غالبية كبيرة من الشعب المصري توجهت إلى صناديق الاقتراع واضعة ثقتها في الزعامة الجديدة وهي تبحث عن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، فالشعب المصري وعلى مدى السنوات الأخيرة التي أعقبت الثورة والصدام مع جماعة الإخوان المسلمين عانى كثيرا من حالة عدم الاستقرار الأمني وتمخض عن حالة عدم الاستقرار هذه وضع اقتصادي صعب انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية للمواطن المصري، حيث تأثرت الحركة الاستثمارية وتعرض القطاع السياحي لضربات موجعة جراء الأنشطة الإجرامية التي قامت بها الجماعات الإرهابية التي استهدفت بالدرجة الأولى الأمن داخل مصر؛ لتخويف الزوار القادمين من الخارج، وفي الوقت نفسه لزرع حالة من عدم الثقة في القيادة المصرية الجديدة.
أظهرت زعامة عبدالفتاح السيسي تصميما قويا على التصدي لهذه الأعمال وإعادة مصر إلى طريق النمو والازدهار الاقتصادي، صاحب ذلك اتخاذ الكثير من الخطوات والإجراءات الأمنية والسياسية التي من شأنها أن تعزز من قدرة النظام والسلطة الجديدة على مواجهة التحديات المفروضة عليها من الداخل ومن الخارج في الوقت نفسه، ذلك أن الإرهاب الذي تعاني منه مصر في الداخل جل مصدره من الخارج، حيث الجوار المصري مع ليبيا يشكل أحد أهم مصادر هذا الإرهاب، ناهيك عن حالة عدم الاستقرار الذي تعاني منه المنطقة بشكل عام، أضف إلى ذلك الأهداف الثابتة لبعض القوى الإقليمية والدولية لتحجيم دور مصر وتقزيمه.
فالمواطن المصري عندما توجه إلى صناديق الاقتراع، إنما هو يؤكد دعمه للسياسة المعلنة للسلطة الجديدة، وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات التي تتخذها لمواجهة الأعمال الإرهابية، لأن الشعب المصري يعرف أن هذه الأعمال وإن كانت في معظمها أو في ظاهرها تستهدف قوى الجيش والأمن المصريين، إلا أنها في حصيلة الأمر تستهدف المواطن المصري في استقراره وفي مصدر رزقه، لهذا لم يكن مستغربا أن يعتبر المصريون التوجه نحو التصويت في الانتخابات والمشاركة فيها بمثابة الموقف الوطني من الأهداف الخبيثة والشريرة التي تستهدف مصر.
أيًّا يكن الموقف من شفافية الانتخابات الرئاسية في مصر وما إذا كانت تتماشى مع المعايير المتفق عليها في مثل هذه العمليات، فإن أهم ما تحتاج إليه مصر في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها، هو تكريس الاستقرار وتثبيت زعامة قادرة على قيادة السفينة الوطنية وسط هذا الهيجان الإقليمي والمخاطر الشديدة التي تحيط، ليس بمصر فحسب، وإنما بالعديد من دول المنطقة وفي مقدمتها الدول العربية التي تعاني بعضها تفكيكا حقيقيا ومدروسا في بنيتها السياسية والديموغرافية وهو وضع خطير أدركته القيادة المصرية وعملت على احتواء خطورته عبر إجراءات أمنية وعسكرية وسياسية مختلفة.
في اعتقادي أن الغالبية الساحقة من الشعب المصري التي توجهت إلى الانتخابات الرئاسية، إنما توجهت وقد اتخذت قرارها مسبقا، سواء التصويت للرئيس عبدالفتاح السيسي أم لمنافسه الانتخابي، وهذه الغالبية لا يهمها ولن تستمع لأصوات التشكيك في نزاهة هذه الانتخابات ولا في إخلالها بالمعايير الديمقراطية المتعارف عليها، لأن هذه القضايا بالنسبة إلى الجماهير المصرية، وخاصة في المرحلة الراهنة، تعتبر قضايا جانبية، بل شكلية في ظل حجم التحديات والمخاطر التي تواجهها الأمة المصرية على المستويات المعيشية والأمنية والاقتصادية بشكل عام.
فالشعب المصري اختبر جيدا خلال السنوات القليلة الماضية، ما تسببه حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي من تهديد حقيقي لحياة المواطن المعيشية، وبالتالي وجد نفسه أمام خيارين، إما أن يضع ثقله خلف القيادة الجديدة التي تثبت يوما بعد آخر عزمها على تثبيت عربات الدولة على سكتها الصحيحة والانطلاق بها نحو ما يلبي مصالح المواطن والشعب المصري بجميع مكوناته وفئاته، وإما أن يتجاهل العملية السياسية برمتها وبالتالي يسهم بطريقة غير مباشرة في إضعاف هيبتها وسمعتها على المستويين الداخلي والخارجي، وهذا لا يصب في صالح المواطن المصري نفسه لأن الدولة الضعيفة لا يمكن أن تقود البلاد نحو الاستقرار والتطور.
من المؤكد، وهذا يعرفه المواطن المصري أكثر من غيره، أن الرئيس السيسي والقيادة المصرية الجديدة لا يملكون عصا سحرية لحل المشاكل التي يعاني منها المواطن المصري، ولا يملكون جميع مفاتيح حل العقبات التي تواجه مصر على مختلف الأصعدة، وخاصة الاقتصادية والأمنية، لكن مما لا شك فيه أن السيسي وأركان سلطته الجديدة جادون في العمل من أجل حل هذه المشاكل والوصول إلى مفاتيح مواجهة مختلف الصعاب والعراقيل، وهذا في حد ذاته مكسب يصب في صالح الشعب المصري.