هذه المرة سبعة صواريخ باليستية حزمة واحدة أطلقها الحوثيون على الأراضي السعودية، منها ثلاثة على العاصمة الرياض، المدينة التي يقيم بها 8 ملايين نسمة. إنها أول جماعة إرهابية في التاريخ تمتلك صواريخ من هذا النوع، حتى «داعش» ذات الإرهاب غير المسبوق، التي أزالت حدوداً بين دولتين، واستولت على مخازن أسلحة وذخيرة من جيوش في العراق وسوريا، لم تتمكن من الوصول لمثل هذه الصواريخ الخطيرة، وحدها جماعة الحوثي تملكها، وتأتي من إيران بالطبع، فتطلقها على الشعب اليمني وكذلك ضد السعودية لتصل إلى القرى والمدن الحدودية وإلى مكة المكرمة وينبع والرياض، وأمام مرأى ومسمع العالم بأسره. تخيلوا لو لم تكن هذه الحرب، واستولى المتمردون على كامل الأراضي اليمنية، عوضاً عن عشرين في المائة فقط كما هو الحال الآن، واستكملت إيران خططها لتصدير السلاح غير النظامي للحوثيين، فكيف سيكون وضع المنطقة، وجيران اليمن، ومضيق باب المندب، وحركة الملاحة الدولية، ليس من المبالغة أن المنطقة ستكون على بركان يطلق نيرانه وحممه في كل اتجاه.
بقصفهم لمائة صاروخ على الأراضي السعودية باستهداف مباشر للمدنيين، فإن الحوثيين يقدمون أفضل خدمة للتحالف العربي بصحة قرار دخولهم الحرب، وإذا كانت هذه الخطوة تراها الأغلبية في منطقتنا بأنها استراتيجية وجاءت في وقتها (مارس «آذار» 2014) وقبل أن يستفحل السرطان الحوثي، فإن المزاج العام في الغرب مختلف، فكل ما يرونه كارثة إنسانية فقط، وهذه بالطبع لا أحد ينكرها، إلا أنهم ينسون سبب الحرب أساساً، وهو انقلاب جماعة إرهابية على الشرعية وتهديد أمن واستقرار اليمن والمنطقة بأسرها، ورفض جميع المبادرات السياسية والاستمرار في التصعيد، فهم لا يشعرون بالخطر الداهم عندما تجاور جماعة إرهابية تنقلب على الدولة وتنصب نفسها حاكماً شرعياً، وكما قال الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في حديثه مع قناة «CBS»: «لا أستطيع أن أتصور أن الولايات المتحدة ستسمح يوماً ما بعمل ميليشيا في المكسيك تطلق صواريخ نحو واشنطن أو نيويورك أو لوس أنجليس بينما يتفرج الأميركيون عليها ولا يفعلون شيئا». فعلاً لن نتفرج عليهم أبداً.
الصواريخ الحوثية السبعة نعمة أكثر منها نقمة، فقد قدم الحوثيون أنفسهم للعالم بأنهم ميليشيا مسلحة وليسوا مكوناً سياسياً يمنياً يمكن التفاوض معهم، وكشف حقيقة عدم رغبتهم في تحقيق الانخراط في عملية التسوية السياسية، حتى إن الصواريخ أطلقت في الوقت الذي يوجد فيه المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث في صنعاء، ناهيك من ارتهانهم لإيران التي تزودهم بالصواريخ الباليستية والأسلحة والتقنيات في تحد للقرار الأممي 2216، وهو يثبت للعالم بأن ما يقوم به النظام الإيراني من تهريب ودعم وتسليح للجماعات والتنظيمات الإرهابية يشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي، وهنا يأتي الدور على المجتمع الدولي ومجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات القانونية لمحاسبة النظام الإيراني لانتهاكه لقرارات مجلس الأمن وأحكام ومبادئ القانون الدولي، فمتى يتحمل مـجلـس الأمن مسؤولياته في حفظ الأمـن والاستقرار الدوليين؟ أليس المجلس نفسه مَن غضب وأدان بالإجماع كوريا الشمالية عندما أطلقت صاروخاً باليستياً تجريبياً، فما بالك بمن أطلق مائة صاروخ بشكل عشوائي يستهدف المدنيين وحدهم لا غير؟!
منذ 17 عاماً والولايات المتحدة تحارب طالبان في أفغانستان، وخلال هذه الحرب لم ترسل طالبان صواريخ باليستية عشوائية ضد المدن الأميركية ولم تستهدف المدنيين الأميركيين، وهي أرض بعيدة آلاف الأميال عن الحدود الأميركية، ومع هذا لم تنتهِ واشنطن من حربها هذه حتى الآن، ولا يبدو أنها ستنهيها قريباً، بينما التحالف العربي للتو أكمل ثلاث سنوات من معركته ضد جماعة إرهابية، تختبئ في إطلاق صواريخها بين المدنيين، في حين تظهر الأصوات المعارضة لهذه الحرب في الغرب تحديداً بإيقافها، حتى لو لم تذهب الأسباب التي أدت إليها، بينما لو تم إطلاق صاروخ باليستي واحد على أراضيهم، لتغيرت المعادلة بالكامل ولظهرت المواقف على حقيقتها.
أتفهم الطريقة الغربية في التفكير لقضايا تبتعد عنهم آلاف الأميال، إلا أن حياة شعوبهم ليست أغلى من حياة شعوبنا، وحرصهم على استقرار أوطانهم، لن يكون أكثر وأشد من حرصنا على استقرار أوطاننا، وإذا كان إرهاب الحوثيين حلفاء النظام الإيراني يهددنا اليوم وحدنا، فإنه غداً قادم ليهددهم، فليتركونا ننه حرباً نحن المعنيين بها لا هم.
0 2 دقائق