«مسيرة من أجل حياتنا»، ذلك هو عنوان أكبر مسيرة وطنية أميركية تشهدها العاصمة واشنطن، كان العدد قد بلغ 800 ألف مشارك حتى الرابعة عصراً، ولا يستبعد المتابعون أن يكون قد تجاوز المليون، فقد انضم الآباء وكل المعارضين لفوضى اقتناء السلاح إلى الحشد الذي ارتجت الأرض تحت أقدامه.
وبخلاف العاصمة كانت هناك مسيرات متزامنة في 80 مدينة، وتجمع عشرات الآلاف في «دنفر» و«سان فرانسيسكو» وغيرها، كلهم كانوا يطالبون بوقف الحرب الخفية التي يسقط فيها الآلاف سنوياً دون أن يكون هناك حل لها، قتلى من الأطفال والكبار، فالرصاصة لا تميز والقاتل لا يرحم، والإحصاءات تتحدث عن أرقام تفوق خسائر القوات المسلحة الأميركية في حربي أفغانستان والعراق، فالأطفال فقط يقتل منهم 46 طفلاً يومياً بالرصاص، ولم يبالغ طلاب المدارس عندما كتبوا على الأوراق التي حملوها في المسيرة «المدارس ليست مناطق حرب»، فهم يتذكرون مدرسة «مارغوي ستونمان دوغلاس العليا» في باركلاند بولاية فلوريدا، هناك حيث فقد 14 طالباً وثلاثة من الكبار حياتهم، وكان الجاني شاباً في التاسعة عشرة من عمره وجد سلاحاً وذخيرة بين يديه، وكم كان خطاب إحدى الناجيات من تلك المذبحة مؤثراً، وكم كانت وقفتها والدموع تنهمر من عينيها وعيون كل الذين يستمعون إليها معبرة، صمتت لمدة 6 دقائق 20 ثانية هي الفترة التي استغرقها القاتل داخل المدرسة.
المراهقون الذين قادوا المسيرة المليونية يطلبون حلاً، وهؤلاء هم قوة أميركا بعد عقد من الزمان، هم قادة الرأي والفكر والصناعة والتجارة والسياسة، ولن يتوقفوا عن مطلبهم بالحد من انتشار السلاح بين أفراد الشعب، وإحكام السيطرة على أدوات القتل التي جعلتهم كما قال أحدهم: «إذا نمنا نخاف أن يقتحم بيتنا ونقتل، وإذا ذهبنا إلى المدرسة نخاف من القتل في الطريق، وإذا دخلنا الفصل نتوقع أن يقتحم في أي لحظة من يائس أو مجنون يحمل بندقية آلية»، وهم، المراهقون، لن يتوقفوا بعد مسيرة السبت، ولن يهادنوا من يعيقون قوانين تنظيم بيع السلاح واقتنائه، ولن يهابوا مافيا تجار السلاح وملياراتها، فأيديهم وعقولهم مازالت نظيفة.