هل هي لعنة القذافي، كما يردد أتباع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، التي أطاحت بالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي؟ أم هي محاولات اتهام وانتقام والكيد للرجل، لكونه اتخذ موقفاً واضحاً ضد نظام القذافي واندفع نحو مناصرة حراك فبراير (شباط) 2011 في ليبيا؟
فمنذ أيام وجه القضاء الفرنسي اتهامات إلى ساركوزي بشأن قضية تمويل ليبي لحملته الانتخابية، فيما عرف بـ«التمويل غير القانوني لحملته الانتخابية» و«إخفاء أموال عامة ليبية»، وهي القضية التي تفاعلت بعد نشر موقع «ميديا بارت» وثيقة لم يتم التأكد منها تحمل توقيع موسى كوسا المسؤول الأمني للقذافي، الذي يتهم بكونه عميلاً سابقاً ومزدوجاً مع «MI6»، وانشق عن القذافي في فبراير 2011، وفر هارباً إلى قطر حيث يقيم الآن. تشير تلك الوثيقة إلى الموافقة على منح حملة ساركوزي خمسين مليون يورو، بينما ينفي ساركوزي ما جاء فيها قائلاً إن هذا التشهير حوّل حياته إلى جحيم لا يطاق منذ 11 مارس (آذار) 2011، وقال إنه اتُهم دون أي دليل مادي، وفقط بناء على تصريحات العقيد القذافي، كما ذكرت صحيفة «لوفيغارو»، بينما نشرت صحيفة «لوباريزيان» تحت عنوان «هدية من القذافي بعد رحيله»، وذلك في اليوم الثاني لتوقيف ساركوزي الاحترازي لاستكمال التحقيقات معه بمقر مكتب مكافحة الفساد بالقرب من باريس، قبل الإفراج عنه.
ادعاء القذافي بتمويل حملة ساركوزي ظهرت بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق تدخله في الأزمة الليبية ومناصرة «الثوار» الليبيين المعارضين للقذافي ونظامه في بنغازي، وتبني فرنسا ساركوزي موقفاً حازماً للإطاحة بنظام القذافي في تغير مفاجئ من ساركوزي صديق القذافي الذي استضافه في قصر الإليزيه رغم معارضة مناصريه، وتبادل الزيارة بجلوس ساركوزي في خيمة القذافي في طرابلس.
انقلاب ساركوزي على القذافي لا يمكن تفسيره بسذاجة على أنه مناصرة «للثوار» الليبيين والديمقراطية المفقودة في ليبيا، لأنها ببساطة كانت ولا تزال مفقودة، ولا يمكن قراءة تبدُّل موقف ساركوزي الصديق السابق للقذافي إلى مناصرة معارضيه من خلال الزعم بشعور ساركوزي بالحاجة الماسة إلى حماية المدنيين من تقدم قوات القذافي لقمع «الثوار» في مدينة بنغازي، فالواقع والحقيقة ومنطق السياسة لا يمكن أن يقبل هذا التفسير الساذج، إذن ما السر الحقيقي وراء هذا التغير المفاجئ؟
بيد أن المرء لا يعرف الدوافع التي كان ساركوزي يهدف إليها من جراء إرسال زوجته السابقة، سيسيليا، إلى ليبيا رغم أن الدافع المباشر كان قضية الممرضات البلغاريات المتهمات بحقن أطفال ليبيين بفيروس الإيدز، وإمكانية الإفراج عنهن. سيسيليا استطاعت إقناع القذافي بالإفراج عن الممرضات البلغاريات على الرغم من أنه حتى نيلسون مانديلا أو القس جاكسون حاولا التدخل لإطلاق سراح الممرضات، ولم يتمكنا من إقناع القذافي بالإفراج عنهن، مما يطرح تفسيرات كثيرة حول سبب عداء ساركوزي المفاجئ للقذافي بعد زيارة سيسيليا له، التي بينت في مذكراتها تفاصيل رحلتها إلى طرابلس، إذ ذكرت كيف دخلت مقر العقيد القذافي في باب العزيزية في طرابلس، وكيف أغلق الحارس الباب وراءها بالمفتاح وكيف تملكها الخوف.
التنافس على أفريقيا والسيطرة عليها هي الدافع الأول وراء انقلاب موقف ساركوزي تجاه القذافي، واتهامات العقيد الليبي، وزعمه بتمويل حملة ساركوزي… كل ذلك كان ضمن حزمة العداء المتبادل بين الرجلين، والرغبة في الانتقام والثأر.
قضية التمويل لا أدلة ثابتة تؤيدها حتى هذه اللحظة أو يمكن الركون جدياً إليها، مما يؤكد أن الأمر لا يخرج حتى اللحظة عن الكيد السياسي والرغبة في الانتقام، وقد تطيح بساركوزي سياسياً، ولكن ليس قضائياً لافتقار الأدلة الجادة.
54 2 دقائق