مرّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إقالة ريكس تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية، مرور الكرام. لم يُحدِث صدى واسعاً بخلاف معظم قرارات ترامب المثيرة للجدل، بما في ذلك القرارات المتعلقة بإقالة مسؤولين كبار في إدارته. ويلفت الانتباه أن أصداء استقالة جاري كوهن مستشار ترامب الاقتصادي، عقب قرار رفع الرسوم على واردات الحديد والألمنيوم، كانت أوسع من ردود الفعل على إقالة تيلرسون.
لم يشن الصحفيون والإعلاميون الأميركيون، الذين يناهضون ترامب منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية، حملة واسعة ضد قرار إقالة تيلرسون. لم يجدوا في أداء وزير الخارجية المعزول ما يمكن الدفاع عنه. لذا يبدو هذا القرار أحد أكثر قرارات ترامب صواباً على مدى أكثر من عام.
لم يؤد تيلرسون مهمات كبيرة وملحة كانت موكلة إليه. وهذا سبب أكثر من كافٍ لإقالة وزير في أية دولة. فلم تكن الخلافات بينهما السبب الرئيسي لإقالته. فهو ليس المسؤول الكبير الوحيد الذي يختلف مع بعض اتجاهات ترامب أو مواقفه. الاختلاف أمر طبيعي، وقد يكون محموداً، حين لا يعطل العمل. غير أن طريقة تيلرسون في التعامل مع بعض الخلافات عطلت حركة الإدارة الأميركية في ملفات يعطيها الرئيس أولوية متقدمة، وخاصة ملف الاتفاق النووي مع إيران.
لم تؤد وزارة الخارجية عملاً مهماً كان منوطاً بها، وهو حث حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين للموافقة على ضرورة تعديل الاتفاق النووي، وإدخال إصلاحات فيه، قبل حلول موعد التصديق على الاتفاق النووي في يوليو الماضي. لم يبد تيلرسون اهتماماً كافياً بهذا العمل، بل عارض خيار عدم التصديق. لكنه اضطر لتعديل موقفه عندما حسم ترامب قراره وأصر على رفض التصديق. ولو أن الرئيس الأميركي قبل التصديق، لكان هذا معناه إقراراً بأن إيران التزمت به، الأمر الذي ينتفي معه أي سبب للمطالبة بتعديله.
ولذا، لم يكن اختيار بومبيو وزيراً للخارجية عشوائياً، أو نتيجة تفضيل شخص كونه متفقاً مع ترامب بشكل كامل في هذا الملف. يريد الرئيس الأميركي وزير خارجية يتحرك سعياً لمحاصرة إيران وتشديد الضغوط عليها من أجل تعديل الاتفاق النووي معها. وفي سجل بومبيو ما يدل على استعداده للقيام بهذا العمل. فقد تحرك في محاولة لإبطاء الانفتاح الأوروبي على إيران عقب توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015. كان بومبيو عضواً في الكونجرس في ذلك الوقت. والتقى، بصفته تلك، عدداً كبيراً من الدبلوماسيين ورؤساء الشركات والمصارف الأوروبية سعياً لإقناعهم بأن الاستثمار في إيران ليس آمناً، بينما كان وزير الخارجية حينئذ جون كيري يؤيد الانفتاح على إيران.
ولم يكن الاتفاق النووي الملف الوحيد الذي عطل تيلرسون حركة الإدارة فيه. فطريقته في إدارة مسألة دور قطر في دعم الإرهاب وتمويله فتحت أمام حكام الدوحة باباً واسعاً للمراوغة والرهان على الوقت. اتفق معهم تيلرسون على آلية قيل إنها تتيح مراقبة التحويلات المالية الصادرة من البنوك القطرية، في حين أن فاعلية مثل هذه المراقبة تتطلب ترتيبات دولية يقرها مجلس الأمن الدولي ويتابعها، وليس مجرد آلية ثنائية.
وإلى ذلك فشل تيلرسون في إدارة العمل في وزارة الخارجية، وعجزه عن اختيار أشخاص مناسبين لمناصب بالغة الأهمية فيها. ولا تزال مقاعد نائبين للوزير ومساعده لشؤون الشرق الأدنى شاغرة، فضلاً عن سفارات عدة في بلدان مهمة لم يُعين سفراء فيها.
لذا لم تكن إقالة تيلرسون مفاجئة. فقد أُثيرت تكهنات متكررة بشأنها منذ الصيف الماضي، عندما حل موعد التصديق على الاتفاق النووي دون أن يقوم تيلرسون بالدور المنوط به مع الأوروبيين، فبدت واشنطن وحيدة في موقفها بين الدول الخمس التي وقعت هذا الاتفاق مع إيران.
وربما كان أداء تيلرسون في هذا الملف أكثر إزعاجاً لترامب من كلمة maron العامية (تعني أحمق أو مغفلاً) التي وصفه بها وزير الخارجية خلال اجتماع حضره في وزارة الدفاع في 20 يوليو، ثم تلعثم عندما سُئل عنها في مؤتمر صحفي بوزارة الخارجية.
كانت إقالة تيلرسون متوقعة منذ شهور، إلى حد أنها صارت موضع ثرثرة بين موظفي وزارة الخارجية الذين أطلق بعضهم عليها تعبير «ريكست» المستوحى من كلمة «بريكست» التي تعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفي كل الأحوال، بات متوقعاً أن تبدأ مرحلة مختلفة في سياسة إدارة ترامب الخارجية بعد تولي بومبيو منصبه رسمياً، وخاصة في الشرق الأوسط.