نون والقلم

ليس كالوطن حصن، فلا تهاجروا …

أعادت موجات المهاجرين السوريين إلى أوروبا, إلى طاولة النقاش, استراتيجية الحلول المقترحة للخروج من الأزمة السورية وتداعياتها. كانت تركيا صاحبة مشروع (المنطقة العازلة أو الآمنة) في شمال سوريا، لكي تمنع تدفق المهاجرين إلى الدول المجاورة، ولكي توفر لهؤلاء فرصة العيش الآمن داخل الأرض السورية.

الاستراتيجية التركية كانت (عملية، ومنطقية، وفاعلة)، في حماية المدنيين السوريين، وحماية مستقبل الشعب السوري، غير أن الإدارة الأميركية وقفت ضد المنطقة الآمنة، وامتنعت عن المشاركة في صناعتها، وتردد الغرب في مواقفه، ولم يبدِ مساعدة للأتراك في استراتيجيتهم، ذلك أن (إسرائيل) استطاعت أن تقنع أميركا والغرب أن مصالحها ومصالحهم مرتبطة ببقاء نظام الأسد كنظام علماني يوفر فرصًا أفضل للأمن الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، وأن المنطقة الآمنة تعمل لصالح تركيا وضد مصالح (إسرائيل).

عملت (إسرائيل) ضد الاستراتيجية التركية، وعملت إيران وروسيا ضدها أيضًا، وفي ظل هذه البيئة لا تستطيع تركيا وحدها الدخول في مغامرة فرض حظر طيران، وإقامة منطقة آمنة، لذا تراجع مشروعها لأنه لم تتوافر له أدوات تنفيذ مشتركة.

الآن ومع تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وما ارتبط بهجرتهم من تداعيات، بات عدد من قادة أوروبا يتحدث عن المنطقة الآمنة كحل وحيد ممكن لوقف تدفق المهاجرين، بحيث يستبقيهم في أرضهم.

أنا كفلسطيني عانى ولا يزال يعاني من الهجرة، واللجوء، أقف من حيث المبدأ ضد موجة المهاجرين إلى أوروبا، مع كامل التقدير والاحترام لمعاناتهم وقرارهم، ولكن يبقى الوطن حصنًا حصينًا لحقوق الإنسان، وحاميًا لعرضه وكرامته ودينه أيضًا، ولن يبقى نظام الاستبداد إلى أبد الآبدين، لذا لو كانت لي نصيحة لقلت لهم: صبركم على المعاناة داخل سوريا أجدى لكم ولوطنكم من رفاهية أوروبا، هذا لو توافرت لكم الرفاهية المنشودة.

ماذا يعني خروج (ثمانية ملايين) مواطن سوري من وطنهم وأرضهم وبيوتهم؟!, هذا يعني أن (ثلث) سكان سوريا باتوا مهاجرين خارج وطنهم، وأن البلاد السورية باتت فارغة لطائفة العلويين التي تتحصن في الساحل السوري، وتحكم دمشق، وهذا يعني كشف الثوار بفقدانهم الحاضنة الشعبية، وإعطاء فرصة جيدة للتطرف ولمن يقاتلون مع النظام من روسيا وغيرها.

ما يجري في سوريا الآن كارثة ربما لا تقل عن الكارثة التي حلت لشعبنا الفلسطيني في عام ١٩٤٨م، وهي كارثة تكشف عورات الأنظمة العربية التي فشلت مجتمعة ومتفرقة من إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، حيث أصبحت المعارك في سوريا حربًا بالوكالة لدول إقليمية ودولية، وبات النظام العربي في موقف المتفرج والعاجز، وكما كشفت الأزمة السورية عن عورات الأنظمة العربية، كشفت أيضًا عن ضعفها وعدم قدرتها على الصمود وعلى حل مشاكلها وحفظ مصالحها بالاعتماد على نفسها.

وقد خسرت هذه الأنظمة أيضًا المعركة الإعلامية لصالح دول غرب أوروبا، فبالرغم من أن الدول الحدودية مع سوريا كتركيا والأردن، ولبنان، قد تحملت العبء الأكبر من اللاجئين، وبالرغم من وجود نصف مواطن سوري في السعودية ودول الخليج، فإن الإعلام العالمي والعربي يتحدث عن إنسانية ألمانيا والنمسا، وغيرهما، بينما تنهال الشتائم على البلاد العربية، وهذا يؤكد أهمية الاستراتيجية التركية وصدقيتها للسوريين أنفسهم وللقادة العرب أيضًا، ومن ثمة كان على قادة النظام العربي لو توافرت لهم الرؤية بعيدة النظر واجب الانضمام إلى تركيا وتأييد استراتيجية استبقاء السوريين على أرضهم، وفي داخل وطنهم.

نقلا عن فلسطين أون لاين

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى