من حيث المصلحة السياسية ليس هناك طرف فلسطيني واحد يمكن أن يستفيد من محاولة اغتيال رئيس حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، والتي استهدفت موكبه أثناء دخوله قطاع غزة من خلال معبر بيت حانون شمال القطاع، فرغم الخصومة السياسية المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات بين الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية وهما حركتا «فتح» و«حماس»، إلا أن الأمر في هذه الظروف التي تشهد محاولات لإصلاح البيت الفلسطيني بعد التصدع الحاد الذي أصابه إثر انقلاب حركة «حماس» على السلطة الوطنية الفلسطينية واستيلائها بالقوة على أمور قطاع غزة من جميع النواحي، نقول: إن الأمر لا يمكن أن يدفع بأي من الأطراف الفلسطينية المؤثرة إلى الإقدام على مثل هذه الحماقة السياسية والأمنية.
عملية من هذا النوع يمكن أن تؤدي إلى تفجير الوضع الداخلي الفلسطيني وتنقله من مرحلة التهدئة وجس النبض مع استمرار التوجس، إلى مرحلة اللاعودة بل والصدام الحاد بين مختلف الأطراف، وبالتالي علينا هنا أن نبحث عن المستفيد الوحيد من إيصال الوضع الفلسطيني إلى هذه الدرجة الخطيرة، وخاصة بعد أن بدأت عجلة المصالحة الوطنية الفلسطينية في الدوران بمساعدة الأشقاء في جمهورية مصر العربية، هنا سنكون أمام فرضية واحدة فقط ترتقي إلى حد الاتهام المباشر المدعوم بتجارب وقرائن وأدلة كثيرة في أكثر من مناسبة، هذا الاتهام يوجه إلى الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» في الوقوف وراء محاولة الاغتيال الفاشلة.
«إسرائيل» عملت كل ما باستطاعتها واستخدمت جميع ما تمتلكه من أوراق ضغط من أجل إطالة أمد التصدع داخل البيت الفلسطيني ومارست شتى أنواع الضغوط والإغراءات السياسية أيضا على السلطة الوطنية الفلسطينية، لمنعها من التقدم خطوة احدة نحو المصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لأن الخلاف الفلسطيني الفلسطيني يصب في صالح المخطط الاستراتيجي للكيان الصهيوني والهادف إلى المصادرة التدريجية لما تبقى من حقوق تاريخية لشعب فلسطين، فهذا الخلاف يضعف الموقف الفلسطيني ويعطي لــ«إسرائيل» القدرة على الاستفراد بالجانب الفلسطيني وابتزازه، لهذا لم يكن اعتباطا صدور التهديدات «الإسرائيلية» للسلطة الوطنية الفلسطينية من المصالحة مع «حماس».
وما ذهبت إليه الرئاسة الفلسطينية من تحميل حركة «حماس» مسؤولية استهداف موكب رئيس الوزراء في غزة لا يعني بأي حال من الأحوال توجيه الاتهام إلى الحركة بالضلوع أو الوقوف وراء هذه الجريمة، وإنما لأن حركة «حماس» هي التي تدير قطاع غزة وهي التي تسيطر على أوضاعه الأمنية لهذا سارع رئيس الوزراء المستهدف إلى مطالبة الحركة «بتمكين حكومة الوفاق وتسليم الأمن الداخلي في غزة الى الحكومة»، وهو مطلب مشروع ويخدم المصالحة الوطنية الفلسطينية، وفي نفس الوقت يخلي مسؤولية حركة «حماس» من أي قلاقل أو أحداث أمنية خطيرة بحجم محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني.
المحاولة الخطيرة التي استهدفت رئيس الوزراء الفلسطيني وإن كانت تستهدف حياة السياسي الفلسطيني مباشرة إلا أنها من حيث أهدافها السياسية تستهدف البيت الفلسطيني بشكل عام، وعملية المصالحة الوطنية بشكل خاص، فوراء كل عملية استهداف لروح أي من القادة الفلسطينيين السياسيين أو العسكريين تقف وراءها أهداف إسرائيلية سياسية وعسكرية أيضا، وأرواح القادة الفلسطينيين الذين اغتالتهم الأجهزة الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» لا تعد ولا تحصى، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني لها هدف سياسي صريح وواضح وهو تفجير الوضع الفلسطيني مرة أخرى وإفشال جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، وهي كلها نتائج تصب في مصلحة الكيان الصهيوني دون سواه.
هذه الحقيقة يمكن قراءتها بين سطور تصريح رئيس الوزراء المستهدف بعد فشل المحاولة وعودته إلى مقر مجلس الوزراء في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، حيث أكد «أن استهداف موكب حكومة الوفاق الوطني في غزة لن يمنعها من إتمام المصالحة»، أي أن محاولة الاغتيال كانت بالفعل تستهدف جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، فهذه المصالحة إذا ما تمت بنجاح فإن الخاسر الوحيد من وراء ذلك هو الكيان الصهيوني، هذا يعزز من الشكوك حول وقوف الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» وراء هذه المحاولة حتى وإن لم يصدر اتهام مباشر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية أو من أي مسؤول فلسطيني بهذا الشأن، لأن الأمر باختصار يحتاج إلى تقديم دليل مادي وليس إلى تحليلات سياسية.
الهدف «الإسرائيلي» الرامي إلى تفجير البيت الفلسطيني من الداخل وعرقلة أي محاولة لإصلاح الشأن الداخلي الفلسطيني وعودة الوئام بين فصائل العمل الوطني، سيبقى هدفا قائما لكونه من الأهداف الاستراتيجية التي يقوم عليها المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني، وإفشال هذا الهدف أو حتى إيقافه وعرقلته يتطلب من الجانب الفلسطيني، قبل غيره الوعي بظروف المرحلة الخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية وعدم الانجرار وراء ما يمكن أن تروجه الدعاية الصهيونية وأجهزة “إسرائيل” المختلفة فيما يتعلق بمحاولة الاغتيال، والسير في طريق إتمام المصالحة الوطنية وعدم جعل هذه المحاولة عائقا أمام السير في الطريق الذي بدأته مختلف القوى، فالمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا تتطلب مزيدا من الجهود وتجاوز مختلف العراقيل التي توضع أمام قطارها.