إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوزير خارجيته ريك تيلرسون من منصبه لم يكن بالأمر المفاجئ، لكنه مع ذلك يعتبر تطوراً في غاية الأهمية في إدارة غير فاعلة وتحفها الفوضى، حيث عادة ما تترافق المغادرة أو الطرد الجماعي لكبار المسؤولين الأميركيين مع حالة غير مسبوقة من الاقتتال الداخلي والاضطراب العنيف السائد في البيت الأبيض.
والإقالة الأخيرة هي استمرار في هذا النزيف المرير، وتيلرسون لم يذعن تماماً لهذه الخطوة، وقال علانية إنه لا يعرف سبب إقالته، واكتشف أن العملية تمت بتغريدة من ترامب على تويتر، فيما قال وكيل وزارة الخارجية ستيف غولدشتاين، إن تيلرسون كانت لديه نوايا وإصرار قوي على البقاء في منصبه نظراً للتقدم الرسمي الذي تحقق في مجال الأمن القومي.
وكانت أحدث تصريحات تيلرسون عن مسألة الأمن قبل إقالته تتعلق ببريطانيا، فقد كان من أقوى المسؤولين الدوليين الذين أدانوا موسكو على محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا، وصرح قائلاً إنه من الواضح أن غاز الأعصاب الذي استخدم في الهجوم جاء من روسيا، وستكون لذلك عواقب وخيمة.
وقد اتهمت روسيا تيلرسون بأنه قوة غير مسؤولة تساهم في نشر الاضطراب وعدم الاستقرار على امتداد العالم، ويتعامل مع سيادة الدول وحياة مواطنيها بعدم اكتراث.
أما ترامب، فقد كان من المفترض أن يتم جره للإدلاء ببيان حول حادث التسمم في سالسبوري، وفي نهاية المطاف صدر عنه تصريح موجز قال فيه: يبدو لي كأنهم يعتقدون بأن روسيا هي الفاعلة.. وحتماً سأعتبر هذا الاستنتاج حقيقة واقعة.
لكنه صمت قليلاً ليؤكد بعدها: «لو استخلصنا الحقائق مباشرة، فسوف ندين روسيا… أو الطرف الذي قد يكون هو المتسبب بذلك».
ولن يعول ترامب على الجرم المحتمل الذي اقترفه عملاء روس، فالرئيس الأميركي الذي انتقد الكثيرين في أرجاء العالم، لم يتفوه بكلمة سيئة واحدة ضد الرئيس الروسي منذ دخوله البيت الأبيض، مما أجج حتماً التكهنات عما يمكن أن يكون الكرملين قد فعله إزاء ترامب.
كانت هناك خشية من التقارب الخاص بين تيلرسون والكرملين عندما عينه ترامب وزيراً للخارجية. وعلى اعتبار أنه كان يشغل الرئيس التنفيذي لشركة النفط العالمية «إكسون موبايل»، كان منهمكاً للغاية في إقامة علاقات تجارية مع روسيا، وتعين عليه التعرف على بوتين جيداً، الذي كافأ تيلرسون بوسام الصداقة الروسي في 2013. ونشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام الرجلين يتقابلان وقت جلسة استماع الكونغرس الخاصة بتأكيد تعيينه وزيراً للخارجية.
وحينما تقلد منصبه، لم يبدِ أي تصرف سلبي بصورة مفرطة تجاه الكرملين، لكنه سرعان ما تصادم مع ترامب وإدارته حول سلسلة من القضايا، بما فيها أفعال الرئيس وصهره جاريد كوشنر تجاه بعض حلفاء أميركا. فقد هدد ترامب بسحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية وتدمير كوريا الشمالية، ومحاولات ترامب بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وحتى خطابه الذي اعتبر غير ملائم تماماً حول منظمة الكشافة الأميركية غير الربحية، الأمر الذي لم يرقَ لتيلرسون. وفي أكثر من مناسبة، ظهر أن وزير الخارجية أطلق على ترامب أوصافا غير لائقة. وتوقع ترامب أن يجد مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات الأميركية الذي سيخلف تيلرسون في رئاسة الخارجية الأميركية، طيعا بشكل أكبر.
وكان ممثل حزب الشاي السابق في كنساس، قد عين مديرا للمخابرات ليحل محل جون برينان الذي أصبح منتقدا حادا لترامب. حيث أعرب عن حزنه وغضبه العميق من وقوف ترامب أمام النصب التذكاري للوكالة ليتباهى بحجم الحشود التي تجمعت في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة. وكان الجمهوريون قد صوتوا بالإجماع لصالح تعيين بومبيو مديراً للمخابرات، لكن الديمقراطيين اختلفوا في آرائهم لا سيما بسبب وعده بإطلاق وصف «داعمي الإرهاب» على جميع المسلمين، الذين لا يدينون علناً العمليات الإرهابية المنفذة من قبل أتباعهم على حد قوله.
وعلى خلفية تصريحاته المعادية للمسلمين أطلقت وسائل إعلام أميركية على بومبيو لقب «محارب الإسلام». أما خليفة بومبيو في رئاسة وكالة المخابرات الأميركية جينا هاسبل، والتي هي أول امرأة تتقلد هذا المنصب في أميركا، فتشتهر باتهامها شخصياً بأنها مسؤولة عن تعذيب المشتبه بهم، وأنها أتلفت أدلة الفيديو الخاصة بالاستجواب المعزز لمعتقلي غوانتينامو في منشأة سرية في تايلاند، وأوهم أحد المشتبه بهم بتعرضه للإغراق 83 مرة في شهر واحد.
والسؤال المطروح، إلى متى سيظل بومبيو وهاسبل في منصبيهما الجديدين في هذه الإدارة التي تدير البيت الأبيض؟