بعد عام ونصف من الخلافات المستمرة بين الرئيس الأميركي ووزير خارجيته، حدث المنتظر والمتوقع بخروج الرئيس التنفيذي السابق لشركة «إكسون موبيل» من إدارة دونالد ترمب، فيما يمكن وصفه بأكبر تغيير تشهده هذه الإدارة التي ظلت في عملية إحلال وتبديل لم تتوقف، وفي ظل مشهد كان صامتاً ثم سرعان ما خرج للعلن يكشف عدم الاستقرار. أما لماذا كان خروج تيلرسون منتظراً ومتوقعاً، فيمكن تلخيصه بعبارة «خيبة الأمل»، وهو تعبير أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الأميركية في وقت سابق، وأن ترمب يشعر بها تجاه دبلوماسية وزير خارجيته، مع عدم إغفال تصريحات ترمب المتتالية عندما كان مرشحاً، بأن خارجية بلاده أضحت «واجهة لنشر الضعف والارتخاء»، و«تحولها لفرع للحزب الديمقراطي»، كل هذا ينبئ أنه كان من المستحيل أن تعمل السياسة الخارجية الأميركية في كامل طاقتها، في ظل الهوة العميقة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى سواد التناقضات العميقة في هذه العلاقة منذ بداية عمل الإدارة الأميركية مطلع العام الماضي، مما تسبب، وفق محللين، بتقلص النفوذ الأميركي في العالم. وما زاد الطين بلة تعرض نشاط الإدارة الأميركية للعرقلة من جانب الكونغرس ووسائل الإعلام، وهو ما أفرز عدم قدرة ترمب حتى الآن على إنجاز عملية تشكيل إدارته، بعد مرور أكثر من عام على فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ الأميركي.
وإذا كانت الخلافات بين ترمب وتيلرسون لم تكن يوماً سراً، باعتراف سابق لهيثر ناويرت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، بأن هناك «بعض الخلافات حينما يدور الحديث عن السياسة الخارجية»، فإن الأمر في حقيقته أكبر من «بعض» الخلافات بقدر ما هي جذرية وعميقة، وأيضاً أكبر مما أشارت إليه تقارير من أن تيلرسون وصف ترمب في أحاديث خاصة في يوليو (تموز) الماضي بأنه «أحمق»، بعد أن اقترح الرئيس زيادة الترسانة النووية الأميركية بواقع عشرة أمثالها، وهنا يمكن القول إن استمرارهما كل هذه الشهور أشبه بالمعجزة، فلم يسبق أن اختلف رئيس أميركي مع وزير خارجيته كما حدث في الإدارة الحالية، ومع أن الخلافات كانت في كل الملفات الخارجية تقريباً، إلا أنه يمكن قراءة ذلك تحديداً في أربع قضايا رئيسية وحساسة بالنسبة لسياسة واشنطن الخارجية: أولها الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة التي أعلنت قبل شهرين، ولم يكن تيلرسون متحمساً لها، باعتبار أنه يرى فيها تعارضاً مع دبلوماسية بلاده، وثانيها اختلاف الطرفين فيما يتعلق بالاستراتيجية تجاه كوريا الشمالية، والتي ظهرت في انتقاد علني من الرئيس لتيلرسون، والقضية الثالثة تعاطي تيلرسون (الأوبامي) المهادن مع الاتفاق النووي مع إيران، مما يعاكس سياسة رئيسه بالكامل، والرابعة اتخاذ تيلرسون مساراً مختلفاً عن البيت الأبيض في معالجة الأزمة القطرية، رغم أنها تتعلق بأربعة حلفاء رئيسيين آخرين للولايات المتحدة بالمنطقة، وهم السعودية ومصر والإمارات والبحرين، فقد بادر ترمب إلى اتهام صريح ضد قطر برعاية الإرهاب والضغط عليها لوقف علاقاتها مع الجماعات المتشددة مباشرة بعد قرار المقاطعة، إلا أن تيلرسون فاجأ رئيسه كعادته بالاختلاف بالكامل، عندما أرسى علاقة غير متوازنة مع طرفي الأزمة، وانحاز إلى الرؤية القطرية دون أخذ مخاوف حلفائه الأربعة الآخرين في الاعتبار.
إقالة تيلرسون يمكن اعتبارها نهاية مرحلة وبداية مرحلة للإدارة الأميركية، وفي تقديري لن ننتظر طويلاً لنشهد تغييراً جذرياً في سياسة واشنطن الخارجية، أما فيما يتعلق بالمنطقة، فلا شك أن أكبر الخاسرين من مغادرة تيلرسون وقدوم مايك بومبيو هما قطر وإيران، اللتين عليهما الاستعداد جيداً لدبلوماسية أميركية واضحة وصريحة، لا وقت فيها للمواربة، كما فعل السيد ريكس تيلرسون طويلاً.
0 2 دقائق