خيرالله خيرالله يكتب: السعودية الجديدة في ضيافة مصر الجديدة
ليست زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان لمصر، التي انتقل بعدها الى بريطانيا، من النوع العادي بأي مقياس من المقاييس. أعطت الزيارة صورة عمّا يمكن أن تكون عليه العلاقات العربية – العربية مستقبلاً. هناك مصر الجديدة وهناك السعودية الجديدة. هناك تجاوز لعقد الماضي لا اكثر ولا اقلّ. هناك إضافة الى ذلك، وبكلّ وضوح، بُعد جديد ذو طابع إقليمي للعلاقة السعودية – المصرية. يتناول هذا البعد الشكل والمضمون وما هو أكثر بكثير من ذلك بين بلدين عربيين يبحثان عن التكامل بينهما بشكل عملي وليس بمجرد إطلاق شعارات فارغة لا معنى لها.
كان هناك تجاوز للبروتوكول عندما حضر الرئيس عبدالفتّاح السيسي ليكون في استقبال وليّ العهد السعودي في القاهرة. ليس الموضوع موضوع بروتوكول بمقدار ما أنّه دليل على مرحلة متقدّمة في التنسيق بين البلدين والرغبة المتبادلة في استفادة كلّ منهما من الآخر. يحصل ذلك في ضوء التحديات المشتركة التي تفرض التعاطي مع الواقع بعيدا عن كلّ ما عداه.
في المضمون، كان كلّ شيء، خلال الزيارة، يوحي بأنّ هناك تخطياً للتعاطي الكلاسيكي بين البلدين، أي لاقتصار العلاقة بينهما على دعم سعودي لمصر واستعانة المملكة بالعمالة المصرية. هناك انتقال إلى بداية مرحلة من التكامل في مجالات عدة من زاوية أمنية واقتصادية وسياسية. يشمل ذلك التكامل الامتداد الجغرافي للسعودية في اتجاه مصر والامتداد المصري في اتجاه السعودية بعيداً عن عقد من نوع من يمتلك السيادة على هذه الجزيرة أو تلك في البحر الأحمر.
هناك بكلّ بساطة نضج سعودي ونضج مصري بعيداً عن التنافس الذي عاد في الماضي بالويلات على الجانبين. لا تربح مصر شيئاً من أي ضرر يلحق بالسعودية. والعكس صحيح.
لم تعد المسألة من يقود العالم العربي أو ما بقي من العالم العربي الذي صار منذ فترة طويلة عوالم عربية. صارت المسألة مرتبطة بحاجة المملكة إلى مصر وحاجة مصر إلى المملكة. ثمّة حاجة إلى المحافظة على وجود عربي يحققه التكامل المصري – السعودي من دون أن يعني ذلك التغاضي عن مشاكل كبيرة تواجه البلدين. هذه مشاكل مرتبطة بتأهيل الانسان في كلّ منهما وتعليمه كي يكون في الإمكان الكلام عن مشاريع مشتركة كبيرة في المستقبل وعن وعي لدى المجتمع لخطورة نشر التطرّف الديني.
كانت السعودية الجديدة في ضيافة مصر الجديدة. ما قام به الأمير محمّد بن سلمان كان ثورة في السعودية. لم يقتصر الأمر على تحرير المجتمع من عقد تحكّمت به طويلاً بدءاً بمنع الحفلات الموسيقية ومنع المرأة من قيادة السيّارة على سبيل المثال وليس الحصر، بل شمل حملة على الفساد لم توفّر امراء.
ليس صدفة أن زيارة مصر جاءت بعد صدور «رؤية 2030» وبعد الكشف عن مشروع «نيوم» الذي يستهدف بناء مدينة جديدة على البحر الأحمر مع الاستفادة من قرب مصر والأردن الى هذه المدينة. من هذا المنطلق، كان طبيعياً أن يكون الطريق الذي سلكه وليّ العهد السعودي في زيارته لمصر مرتبطاً برموز عدّة تظهر أهميّة قناة السويس والبحر الأحمر للبلدين، بما في ذلك مدينة الإسماعيلية التي كانت تعبّر عن ازدهار مصر في مرحلة ما قبل تأميم قناة السويس الذي ترافق مع رحيل الجاليات الاجنبية عن المدن المصرية وخسارة مصر لهذه الجاليات التي لم يكن وجودها يقدّر بثمن.
إضافة إلى منطقة قناة السويس ومدينة الإسماعيلية، التي زارها محمّد بن سلمان لافتتاح مشروع إعماري كبير، كانت زيارته لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني ودعوته إلى المملكة حدثاً في حدّ ذاته. تبيّن أن الوحدة الوطنية المصرية والحرب على الإرهاب همّ سعودي أيضاً. لم تعد السعودية مصدراً للفكر المتطرّف كما يروّج بعض الذين امتهنوا الإساءة الى المملكة من دون معرفة في العمق بالتطورات التي شهدتها منذ قيامها.
هناك وليّ للعهد في السعودية يأتي إلى مصر حاملاً رسالة. تقول هذه الرسالة ان مصر لكل المصريين أكانوا أقباطاً أو مسلمين. تقول الرسالة أيضاً ان السعودية منفتحة على كلّ ما هو حضاري في العالم. كان مجيء وليّ العهد السعودي مع الرئيس المصري الى دار الأوبرا في القاهرة لحضور مسرحية «سلّم نفسك» رسالة ذات بعد حضاري بحدّ ذاتها.
ما يدلّ على الرغبة في تغيير في العمق لا يقتصر على الزيارة التي سيقوم بها البابا تواضروس للسعودية قريباً، وقد زارها قبله البطريرك الماروني في لبنان، بل ستكون هناك أيضاً دار للأوبرا في الرياض. إقامة دار للأوبرا يعطي فكرة عن مدى ذهاب المملكة في طلاقها مع بعض ممارسات الماضي. تلك الممارسات التي ترسّخت مع بدء التراجع أمام المدّ الايراني الذي بدأ في العام 1979. لا بدّ من العودة دائماً إلى السنة 1979، تاريخ قيام «الجمهورية الإسلامية» في ايران بقيادة آية الله الخميني الذي باشر تطبيق فكرة «تصدير الثورة». كانت السعودية مستهدفة وقتذاك. كانت مستهدفة إيرانيا وكانت مستهدفة أيضاً من فكر جهيمان العتيبي الذي هاجم مع عصابته المسلّحة الحرم المكّي. كان الرد على ايران – الخميني وعلى جهيمان بانغلاق على الذات بدل أن يكون بمزيد من الانفتاح على الآخر.
المهمّ الآن أن تكون مصر والسعودية قررتا الاستفادة من التجارب الأليمة التي مرّ بها البلدان ومرّت بها العلاقات بينهما وأن تكون هناك متابعة يومية لما تحقّق في الزيارة. لم يعد مطلوباً الاكتفاء بتكامل بين البلدين بمقدار ما ان المطلوب نظرة ذات طابع استراتيجي الى المنطقة كلّها بدءا بحماية البحر الأحمر التي هي حماية لقناة السويس ولأيّ مشاريع مستقبلية مثل «نيوم». ثمّة حاجة الى نظرة واحدة لاهمّية ما يدور في اليمن وكيف التعاطي مع السودان ومع كلّ دولة من دول القرن الافريقي، بما في ذلك الصومال، حيث هناك شبه غياب للدولة.
ليست المرحلة التي تبدو المنطقة كلها مقبلة عليها مرحلة سهلة. هناك تداخل بين أمن البحر الأحمر وأمن النيل وهناك هجمة إيرانية وتركية في اتجاهات مختلفة من بينها السودان. لا شكّ أن تاريخ العلاقات المصرية – السعودية كان أسير عقدة الزعامة التي تحكمت بجمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي وستيناته. في عهد أنور السادات، تعمقت الهوة في ظلّ الدور السلبي الذي مارسه «البعثان» العراقي والسوري، خصوصاً بعد ذهاب السادات الى القدس وما تلا ذلك من عجز لدى صدّام حسين وحافظ الأسد، عن فهم معنى توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل وأبعاد ذلك. اعتقد حاكما العراق وسورية وقتذاك أن عزل مصر سيسمح لهما بتزعّم العالم العربي.
لا يوجد مكان في المنطقة أو مجال لا يمكن أن يكون فيه تعاون مصري – سعودي، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكالهما ومواجهة المشروع التوسّعي الإيراني. يشمل ذلك التمدد الايراني في المشرق العربي، من العراق، إلى سورية، الى لبنان، الى فلسطين، في ظلّ الانهيار العراقي الذي ما زالت نتائجه تتفاعل إلى اللحظة.